الشهيد النائب العام.. النائب عن أمته الشهيد الدكتور عيسى برهم

الشهيد الدكتور عيسى برهم
الشهيد الدكتور عيسى برهم

بقلم: د. سرمد فوزي التايه

19/5/2021

بابتسامته العريضة، ووجهه المُشرق، وقلبه الطيب، وثأره القديم، وحُبّه لوطنه؛ يبحث عن مقلاعٍ يقترضه لبُرهة فيُصوِّبه إلى وجه عدوِّه؛ فلا يجد من ذلك سبيلاً. يرتضى بالحجر وذلك أضعف الإيمان؛ يتسلَّح به ويُلقيه تجاه مستوطنٍ مُرتَزق جاء جَدّه وأباه من خلف البحار ومن وراء السراب؛ فاستولى واستوطن على أقدس بقعةٍ وأطهر بقاع؛ فعاث فيها فساداً! أوهموه أنها له ومِلك يمينه، وأنها من حَقِّه بوعدٍ من الرب المُعطي منذ أزمان الأنبياء والمرسلين. وضعوا بجانبه حارساً مُدجَّجا بالسلاح؛ يتناوبان على ذات المُهمة القذرة من اغتصاب الأوطان وقتل الأحلام والفتيان! ليكونَ بلحظةٍ مُعيّنةٍ وجهاً لوجه مع كوكب دُرّي يمتشق حجارة أرض آبائه وأجداده ويعمل على إطلاق عنانها في سماءهم غير آبهٍ بما ستؤول إليه الأمور، وما سيقود اليه المصير.

عيسى، ذلك الشهيد الذي لم يُصلب ولم يُقتل ولكن شُبِّه لهم، ذلك الحارس المعطاء الذي امتهن القانون للدفاع عن وطنه وقضيته، هو الذي خلع روب الوظيفة المرموقة كنائبٍ عام في محكمة صلح وارتضى بثوب الفدائي القابض على الحجر والجمر معاً، هو الذي طَرَح شهادة الدُنيا وارتضى بالشهادة العُليا! هو القابض على جُرحه حتى لا يفزع من حوله ولا يخاف، هو المُنير لمنارته من وقود دمه الحارق دون خوفٍ على مخزونه من النفاذ! ها هو قد استطاع إيصال رسالته جليَّةً واضحةً لا لبس فيها ولا غموض؛ فصدح بجُرحه قبل أن يصدح بصوته: أنَّ هذه الأرض أرضنا؛ وهذه السماء سماؤنا، وهذه التلال تلالنا؛ وهي مُحرَّمة على تلك الثُّلة المُقطَّعة المُتشرذمة المُتيبسة الوجوه والتي جُلَّ همِّها وجوهر اهتمامها السطو والسرقة لكل الابتسامات الغضَّة اليانعة.  

لم يكن يوم الجمعة الرابع عشر من أيار يوماً عادياً من أيام الدكتور النائب العام عيسى برهم؛ فقد كان يوماً استثنائياً من أيام ذلك الفارس القريب من الافئدة، صاحب المقعد الدائم في مجلس القلوب المُتحدة، حائز الدين والعلم والخلق والأخلاق! فقد استطاع بدماثة خُلقه، وطيب معدنه، ونقاء جوهره أن يجمع حُب واحترام الناس له أجمعين على مدى أربع عقود من الزمن؛ ليكون كمصباحٍ يُوقد من شجرة مُباركة زيتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربية.

خرج أبا يحيى من منزله ذلك اليوم إلى مصيره المحتوم المعلوم مُسبقاً وفي بوصلته طريقٍ واحدٍ بإحدى مسربين؛ إن خسر أحدهما فإنه واثق أنه حتماً سيكسب الآخر؛ فقد كان الهدف الأول اقتلاع الجذور الخبيثة من أرضه الطيبة أنّا أُوتي من ذلك وسيلة، وإن لم يستطع وأعياه ذلك لقلَّة حيلةٍ أو خَور خائرين أو مُتفرّجين غير مُتضامنين ولا مُتعاضدين؛ فإنه حتماً سيطرق باب الاتجاه الآخر وهو على قناعةٍ أنه لن يُقفل في وجهه أبداً، وأنه سينال شرف الولوج من ذلك الباب السماوي العالي ناظراً نظرة رضى ويقينٍ واطمئنان بأن يحيى وجيل يحيى سيشهدون حتماً رؤية تلك الجذور الهشَّة المُقتَلعة بالتأكيد طال الزمن أم قَصُر، رضي الغاصب أم غضب.

البوابة 24