خالد جمعة-رام الله-فلسطين
انتصر الطيارون الإسرائيليون الذين يقودون طائراتهم الإف 16، لم يذهب ثمن الطائرات هدرا، ولم تذهب سنوات التدريب القاسية هباءً، استطاعوا التأكد من دقة صواريخهم، والتأكد من انتقائيتها للأهداف العسكرية المهمة التي تقلق راحة الدولة العبرية الرقيقة.
الأولاد الذين ماتوا تحت الصواريخ، أو بعبارة أدق، تحت ركام البنايات التي دمرتها الصواريخ، كلهم كانوا مشاريع إرهابيين، ولأن إسرائيل لا تستطيع أن توقف الزمن، فكان هذا الزمن سيمر بانسيابيته وثباته المعهودين، ويكبّر هؤلاء الأطفال، وسيتعلمون كيف يصبحون إرهابيين طرازاً أول، ولذا، فمن باب أن "صاروخ وقاية خير من قنطار اعتقالات"، فإن الطيار الإسرائيلي قرر أن يختصر المسألة، ويقتل الإرهابي في مهده، لكن هدفه لم يتحقق إلا مع سبعة وستين طفلاً فقط، وترك بقية الإرهابيين لجولات قادمة.
الأولاد بأسلحتهم المتطورة، بداية بالمصاصات، مروراً بزجاجات الحليب والمناغاة والألعاب البلاستيكية، بدفاترهم وأقلام ألوانهم، كانوا هدفاً، لم يكن خطأً مطلقاً، بل هو عمل ناتج عن تخطيط معد جيداً، وكل رحمٍ أنجب طفلا من هذا النوع كان على الطائرة أن تجتثه كي لا ينجب طفلا آخر بمواصفات مشابهة.
سبعة وستون طفلاً، لحقوا بخمسمئة وستة وعشرين طفلاً إرهابياً سقط تحت صواريخ العام 2014، والعالم الذي نظر إلى أولئك، نظر إلى هؤلاء، واقتنع برواية الطيار، ولم يسمع من الطرف الآخر، وقال: كيف سنسمع من ميتين؟ إذن ليس لدينا إلا رواية الطائرة، وهذا يكفي.
انتصر الطيارون الإسرائيليون على الأطفال الرضّع، وانتصرت حكومتهم كذلك، وهذا بديهي، فالطائرة المنتصرة تعني حكومة منتصرة، وأي انتصار أبهى من قتل سبعة وستين إرهابياً مستقبلياً؟ وإسرائيل أكثر الدول خبرة في معرفة المستقبل، لذا فعلت ما فعلت وستفعل ما ستفعل.
لا تنظروا إلى بكاء الأمهات اللواتي بقين أمام صور أبنائهن الأطفال، ولا إلى الآباء الصامتين الذين يبكون دمعا داخليا لا يراه أحد، ولا تهتموا بأصدقاء الأولاد في الروضات والمدارس الابتدائية، ولا إلى الأجنة الذين فقدتهم أمهاتهم، ولا تنظروا إلى بائع الحلوى الحزين الذي كان يهدي الأولاد الفقراء حلواه، لا تنتبهوا إلى الأماكن الفارغة على طاولات الأكل في البيوت التي ما عادت بيوتاً، فكل هذا لا يساوي انتصار الطائرات بطياريها وصانعيها وقائديها، فكل انتصار لا بد له من ثمن، والثمن الواضح هذه المرة، هو هذا العري الكامل الذي تعيشه إسرائيل أمام العالم.