( الجزء الثاني من تاريخ القوة البحرية الفلسطينية )
بقلم: الكاتب والباحث محمد جهاد إسماعيل
تحدثنا في الجزء الأول عن البدايات المبكرة للقوة البحرية الفلسطينية، وتطرقنا لأحداث مهمة وقعت في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي. وسنواصل في هذا الجزء سرد أحداث أخرى، وكشف أسرار جديدة نميط عنها اللثام.
(انجرليك) قاعدة القراصنة
لم تسكت إسرائيل على الضربات الموجعة التي وجهتها لها القوة البحرية الفلسطينية. فقد قامت المقاتلات الإسرائيلية بقصف قاعدة برج إسلام بشكل عنيف ومدمر. وقد استشهد عدد من الفدائيين جراء هذا القصف. وبعد فترة وجيزة، وصلت القوة البحرية لمعلومة، مفادها أن الطائرات المغيرة على برج إسلام لم تقلع من المطارات الإسرائيلية داخل الأرض المحتلة، بل أقلعت من قاعدة انجرليك في جنوب تركيا.
استهجنت قيادة القوة البحرية وقيادة الثورة الفلسطينية تورط تركيا في العدوان على قاعدة برج إسلام. استشاط أحد قادة القوة البحرية غضبا إزاء هذه الفعلة، وقال لأبو جهاد أنه لا بد من تأديب تركيا، وأن رجاله قادرون - برا أو بحرا - على توجيه ضربة لانجرليك. لكن أبو جهاد رفض الفكرة، بحجة أنها قد تشعل الموقف، وقد تجلب مشاكل لسوريا مع تركيا وحلف الناتو.
ضرب ميناء حيفا
في مطلع السبعينيات، قام قائد البحرية الليبية - ترافقه مجموعة من كبار ضباطه - بزيارة قاعدة برج إسلام. وقد قام الوفد الليبي بتلك الزيارة، بتكليف مباشر من العقيد القذافي. أبلغ الوفد الليبي قيادة البحرية الفلسطينية برغبة العقيد القذافي في شن هجوم بحري على ميناء حيفا، على أن تشترك البحريتين الفلسطينية والليبية في تنفيذ هذه العملية.
رحبت قيادة القوة البحرية بخوض هذه العملية المشتركة مع البحرية الليبية. لكن العملية ظلت خططا مرسومة على الورق، ولم تدخل حيز التنفيذ. فقد تراجعت عنها البحرية الليبية، التي ربما اكتشفت أن كلفتها ستكون باهظة وآثارها أقوى من أن تحتمل.
ولربما استعاض الليبيون عن هذه العملية بعملية أخرى، كالتي تحدث عنها هيكل في كتابه ( الطريق إلى رمضان ). ذكر هيكل في الكتاب؛ أن القذافي أمر قائد غواصة مصرية - تعمل في ليبيا - بإغراق سفينة ( إليزابيث كوين ٢ ) أثناء عبورها المتوسط، وهي في طريقها من ساوثهامبتون إلى أشدود. وكانت العملية ستتم فعلا، لولا تدخل السادات في اللحظات الأخيرة.
الخبير الألماني
انتدب أبو عمار خبير ألماني، وجاء به إلى قاعدة برج إسلام، كي يدرب كادر القوة البحرية على تقنيات تصنيع الألغام البحرية، وطرق التعامل معها، واستخدامها في التفجير. مكث الخبير في القاعدة مدة من الزمن، درب خلالها بعض العناصر، قبل أن يترك عمله ويقفل عائدا إلى بلاده، بسبب خلافاته مع القيادة، التي رأت أنه يغالي كثيرا في طلباته المالية، ولا يشبع أبدا من المبالغ المجزية التي تقدم له.
اصطياد العملاء
كانت قاعدة برج إسلام حصن حصين، لا تدب فيه قدم غريبة، وكان كادر القوة البحرية على قدر كبير من اليقظة الأمنية. ولطالما كان محيط القاعدة تحت الرقابة المشددة، ترصده المناظير وتجوبه دوريات الاستطلاع.
وضعت القوة البحرية يدها على عدد - غير قليل - من العملاء، كانوا مكلفين من مشغليهم في الموساد بمتابعة القاعدة، ورصد الشخصيات المهمة التي تتردد عليها. حرصا على سيادة الدولة السورية، لم تكن البحرية الفلسطينية تصفي هؤلاء العملاء، بل كانت تسلمهم لأجهزة الأمن السورية كي تتعامل معهم بطريقتها.
الغواصة
تحصلت قيادة فتح على غواصة، وأرسلتها فورا لبرج إسلام كي تدخل في خدمة القوة البحرية الفلسطينية. لم تكن غواصة عسكرية، بل كانت مدنية، كتلك التي يستخدمها العلماء في أبحاثهم في أعماق البحار. كانت الغواصة - في حجمها - قريبة من حجم السيارة، وطاقمها يتكون من شخصين اثنين.
قام خبراء اللجنة العلمية بتدريب كادر القوة البحرية على استخدام الغواصة. وانطلق بها أفراد القوة البحرية كذا مرة، لتنفيذ الاستطلاع في عمق البحر.
إلى اللقاء في الجزء الثالث ..