بقلم:د. رياض عبدالكريم عواد
لو تتبعنا المواقف الفلسطينية الشعبية والرسمية من المبادرات والمشاريع السياسية التي طرحت منذ بدء المسألة الفلسطينية حتى اللحظة يمكن تلخيصها بما يلي:
وصفها بأنها مشاريع خطيرة تامرية من أجل تصفية القضية الفلسطينية
رفض قاطع بل مطلق لهذه المشاريع
غالبا ما كان يتم تغليف هذه الموقف الرافضة بالشعارات القومية والدينية
لم تستطع جهة فلسطينية أفرادا أو مؤسسات اختراق هذه المواقف والتعبير بقبول مثل هذه المشاريع حتى لفظيا، خوفا من التكفير والتخوين.
لم تملك القوى الفلسطينية المقدرة الموضوعية على مقاومة هذه المشاريع، فمعظم هذه المشاريع تم تمريرها وأصبحت واقعا رغم الرفض الفلسطيني
لم يستفيد الفلسطينيون من أي إيجابيات في هذه المشاريع وتندموا على بعض منها؟!.
ليس الهدف من هذا السرد هو تقييم موقف الفلسطينيين من هذه المشاريع، فهذا يحتاج إلى معرفة الظروف التاريخية التي تم فيها طرح كل مشروع والدوافع المباشرة له.
كما أنه ليس من المستغرب أن يرفض شعب مبادرات ومشاريع تنتقص من حقوقه بل تسلبه اياها، ليس بالسهل أن تقبل أن يأتي الغريب ليقاسمك بيتك وممتلكاتك؟!.
إن العامل الرئيسي لتفوق المشروع الصهيوني الاستعماري في التخطيط والتنفيذ وتحقيقه نجاحات متتالية لم يكن بسبب الرفض الفلسطيني، كما يشيع البعض لأهداف مختلفة، ولكن بسبب قوة الهجمة العالمية والقوة الاستعمارية الدافعة للمشروع الصهيوني مقابل الضعف العربي والفلسطيني وخضوع دول المنطقة للاستعمار الطويل، التركي والأوروبي.
لقد أدمن الفلسطيني الرفض لدرجة أن عددا من الفصائل الفلسطينية شكلت جبهة الرفض تحت مسمى "جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية" عام 1974، على إثر قرارات دورة المجلس الوطني الفلسطيني الثانية عشر التي أقرت بإقامة الدولة الفلسطينية على أي جزء من فلسطين وذلك كجزء من برنامج النقاط العشر. تلى ذلك جبهة رفض عربية بعد كامب ديفيد في نوفمبر 1979 تحت مسمى جبهة الصمود والتصدي، كان الفلسطينيون جزءا منها.
حتى جبهة الرفض الفلسطيني كان هناك من يدعي انه أكثر ثورية منهم وكان لا يخطئهم فقط ولكن أيضا يخونهم.
وحديثا، ظهرت فصائل الإسلام السياسي التي لم تعترف بكل تاريخ النضال الوطني بل سخفته وعادته ولم تقبل أن تكون جزءا منه. العداء او التنافس، حتى نخفف من وقع اللفظ، في هذه اللحظة السياسية بين قوى الإسلام السياسي والقوى الوطنية يطغى على العداء مع الاحتلال الإسرائيلي؟!
المرة الوحيدة التي خرج فيها الفلسطينيون عن هذا الموقف الرافض هو في اتفاقية أوسلو، التي لولا المقدرة الفذة لياسر عرفات لم يستطع أي قائد فلسطيني آخر أن يمرر هذه الاتفاقية على الفلسطينيين الذين ادمنوا الشعارات والرفض ولعب دور الضحية.
عرفات هو الذي قاد هذه الاتفاقية ووفر لها البعد الرسمي والشعبي وبدونه ما كانت لتجد تنظيم فلسطيني بما فيها حركة فتح أو قوى شعبية أو الجماهير العادية من الممكن أن تقبل بهذه الصيغة من التسوية، غزة اريحا اولا، مع العلم أن أريحا أضيفت كترضية؟!
اعتقد ان أقل من 3% من الفلسطينين وافق على هذه الاتفاقية، وحتى من وافق منهم كان يوهم نفسه انه مضطر ليتجرعها كما يتجرع المريض حبة الدواء المر، هذا تعبير كثير من القيادات والكوادر والأعضاء. لم يكن هناك ظهير وطني ولم يتشكل بعد هذا الظهير الذي يؤمن بهذا المسار السياسي ويدافع عنه، حتى من بجاهرون بالدفاع عنه يقدمون كثير من المبررات لاثبات أن هذا الخيار كان خيارا اضطراريا. قليل يدافعون عن هذا الخيار لأنهم مقتنعون بصوابيته وصوابية خيار النضال السياسي والدبلوماسي السلمي.
أن التأييد الذي يبدو واسعا وتحظى به السلطة في قطاع غزة، ليس تأييدا لنهج الواقعية والتسويات، انما هو تأييد لهذه السلطة بعد ان فقدوا كل المكتسبات والطمأنينة التي كانوا ينعمون بها مقارنة بشظف الحياة وشدتها التي يعانون منها بعد هذا الانقسام المشؤوم.
كل هذا دفع الفلسطينيين الى السرعة في الانجرار إلى مخطط اليمين الإسرائيلي واليهودي الذي اكتشف مدى عمق تأثير هذه الاتفاقية على مستقبل الدولة اليهودية وبناء على ذلك قرر اغتيال رابين ونفذ ذلك فورا، وقتل ياسر عرفات بعد تدمير السلطة الفلسطينية وتحويلها إلى كيان ضعيف لا يستطيع أن يحمي نفسه ولا شعبه أثناء اجتياح الضفة الغربية في 2002.
لقد كانت الانتفاضة الثانية فرصة للفلسطينيين الذين أيدوا اتفاقية أوسلو ليتخلصوا من هذا "الثقل الأخلاقي" وليثبتوا لمنافسيهم من الفصائل والقوى السياسية الأخرى انهم لا يزالون امناء على العهد والتحرير والقضية ورفض التسويات والمساومات، لذلك فإن معظم الشهداء والأسرى من بين صفوفهم؟!
في الواقع أن نتائج أوسلو على الأرض تعزز موقف الرافضين لها وتعطيهم مبررات لمواقفهم منها، فهؤلاء يعزون التغول في الاستيطان وتوحش الجيش والمستوطنين ضد الفلسطينيين، ومواصلة عمليات المصادرة وصولا إلى الانقسام الفلسطيني، يعزون هذا وغيره الكثير إلى هذه الاتفاقية التي يدعون أنها كانت بالكامل في صالح الاحتلال والاستيطان. كما لا يعي أو يقدر هؤلاء أهمية وجود سلطة فلسطينية، حتى تحت الاحتلال، كمؤسسة داعمة لصمود ورعاية الشعب الفلسطيني ويحتجون على ذلك بالفساد الذي تعاني منه.
هذا هو واقع الفلسطينيين التاريخي والحالي، هل يستطيع أصحاب السياسة الواقعية، رغم كل ذلك، أن ينفذوا سياستهم وينقذوا الفلسطينيين وياخذوا بأيديهم من التطرف اللفظي إلى السياسة العملية والواقعية.
أم أن المستقبل مازال مفتوحا أمام الرفض والشعبوية؟!