ارحلي فأنت بدينة ، وأهلاً بالرجل البدين

شوقيه عروق منصور
شوقيه عروق منصور

بقلم:شوقيه عروق منصور

منذ أصبح جسم المرأة مقياساً لحركة الفن والثقافة والاعلام واشتعال الفضائيات ، خرجت المرأة من حالة الأنثى الهادئة الى حالة الهوس الجنوني الذي يجب أن يوضع داخل مربعات كتب عليها تفاصيل الوزن والطول لأنهما قسيمة من قسائم النجاح . 
كانت قديماً بدانة المرأة تدل على الهناء والعز والخير الوفير والدلال ، وقد كتب الكثير عن تلك البدانة – لها عجيزة اذا قامت أقعدتها – وصور التاريخ الفني عبر اللوحات المرسومة  أبرزت رسومات لنساء افتخرن  ببدانة أكتافهن وأثدائهن وأظهرن قيمة أعناقهن ذات الطبقات العدة ، وما زالت الأفلام التاريخية الأجنبية تظهر النساء بأثواب تتميز بإرداف  سمينة عالية ، حيث كانت تقوم المرأة التي لا تملك البدانة المطلوبة للإغراء على حشو الأرداف بأشكال عديدة ، أبرزها شكل الوردة .  
منذ بداية الستينات وهناك غارات جوية ، قادمة من عالم الأزياء فيها التمجيد الكامل للمرأة النحيفة ، وكثرت هذه الغارات مع انطلاق الفضائيات التي تحولت الى زوايا ومدارات تهتم بأجساد النساء وأشكالهن ، مع تخصيص قنوات وبرامج تعتني فقط بالمحافظة على الوزن وعلى عدم الاقتراب من البدانة . 
سمعنا مئات القصص الكثيرة عن هروب الأزواج من الزوجات البدينات ، وعن الأمراض التي تغزو الأجسام نتيجة البدانة ، لكن أن تصبح البدانة تهمة وجريمة يستحق عليها الطرد والفصل فهذا من نتائج النظرة السيئة لعالم المرأة المكسو ببريق الجسد ، بعيداً عن شخصيتها . 
فقد قررت رئيسة  التلفزيون المصري إيقاف ثماني مذيعات في التلفزيون المصري عن العمل بسبب زيادة أوزانهن ، حتى يتبعن نظام غذائي ينقصن به هذه الأوزان ، لا نعرف هل خافت رئيسة التلفزيون من ثورة الجياع في مصر ، لأن البدانة قد تكون دلالة على وفرة الطعام لهذه الطبقة ؟؟ 
ان قرار إيقاف المذيعات  هو فتح أبواب الحرب على البدينات ، وبرقيات تُرسل للنساء :  أي على البدينة البقاء مكانها ، حتى يصبح وزنها مقياساً لقبولها في العمل ، لا يهم عقلها ، تفكيرها ، قدراتها ، ثقافتها ، شخصيتها ، المهم أن لا تكون بدينة . 
بقدر ما هذا القرار فيه الاجحاف بحق عقل المرأة  وقدراتها العلمية والعملية  ، فيه سذاجة ونظرة سطحية الى عمل وموقع المرأة ، وتصديق لجميع الفضائيات التي تهرول وتضع البرامج التي تقدمها المرأة بشكلها – الباربي – حتى أصبحن جميع مقدمات البرامج في الفضائيات العربية ذات الشكل والملامح والشفاه والشعر والأسنان والخدود والمكياج – على رأي غوار شعب واحد فحص واحد أو مذيعة واحدة الآن  -  لقد أصبحت عندنا وحدة أنثوية على الصعيد العربي . وبأشكالهن المستعارة والمستعانة بعمليات التجميل ، لم يعد لقول الفيلسوف أفلاطون " تكلم كي أراك " مكاناً في الزمن المستعار .
لقد أطلقت وسائل الاعلام على هؤلاء الاعلاميات " حزب شجرة الجميز " و " حزب الأكس لاراج " و " فتيات بكابوظا – كلمة مصرية سخرية معناها البدينة " 
في المقابل لم نجد الاحتجاج والتذمر والفصل ، حين يخرج الينا رجال السياسة  بكامل البدانة ، يلطخون الشاشات برؤوسهم الكبيرة وكروشهم  وأكتافهم العريضة ، عدا عن كذبهم ونفاقهم وتصريحاتهم ومؤامراتهم ، وسياساتهم الفاشلة ، يشعلون الحرائق ، ويدمرون الحياة ، دون أن نجد من يحتج ويطالب بعدم بث أخبارهم لأن بدانتهم تؤثر على المشاهد العربي . 
اذا كان على المرأة أن تقف على الميزان يومياً كي تؤكد لمشغلها أنها تستطيع العمل ، وتستطيع التفكير والإنتاج ، وأن تقدم فروض الهلع حين تجد وزنها قد ازداد ليس من منطلق الحفاظ على صحتها بل الحفاظ على مكانتها ، نطالب أيضاً الرجل في مكان عمله ، خاصة الذين يعملون في المجال السياسي ،  أن ينظروا الى جسامهم التي تظهر - ظهرت – عليها آثار نعم الفساد والرشوات والاختلاسات وبيع كل شيء حتى الأوطان وترهل الاستسلام ، عليهم  أن ينظروا الى وزراء الدفاع والضباط العسكريين الذي من المفترض أن يملكوا الرشاقة والأجسام الرياضية ، لكن نراهم عبارة عن كتل من الشحوم والدهون ، تتحرك في المناسبات الوطنية ، حيث ترتفع قامتهم من فوق تلال الكذب والخداع . 
أثناء كتابة المقال .. كان يبث التلفزيون المصري حفلة قديمة لأم كلثوم ، ظهرت على جسدها ووجها السمنة و البدانة ، السؤال هل سيأتي اليوم الذي سيمسحون به تسجيلات أم كلثوم أي

البوابة 24