بقلم:د. رياض عبدالكريم عواد
أولا من حق الأسرى قانونيا وإنسانيا ووطنيا تكرار محاولات الهروب والتحرر من السجن باستخدام مختلف الوسائل، هذا ما يكفله القانون في العديد من دول العالم، ولا يرى في ذلك جريمة يستحق الأسير أو المسجون العقاب عليها.
اما وطنيا، فالأسرى هم صفوة المناضلين الفلسطينين وهم يدفعون اختياريا هذه السنوات من عمرهم مقابل التزامهم الوطني والتنظيمي، لذلك لا يمكن أن يتخلى أمثال هؤلاء عن دورهم الوطني ويتوقفوا عن مواصلة مختلف أشكال النضال داخل السجون الإسرائيلية، ومنها تكرار محاولات الهروب لإيصال صوتهم ورسالة الأسرى والشعب للعالم من ناحية، ولإقناع سجانيهم بأن حجزهم واعتقالهم والتنكيل بهم لن يثنيهم عن أن يكونوا رافعة للنضال الوطني الفلسطيني، وأنهم رغم القيد والعزل الا انهم قادرين على ضرب المنظومة الأمنية الإسرائيلية وإظهار ضعفها وعجزها في مواجهة إرادة الإنسان/الاسير الفلسطيني.
يحب أن تبقى قضية الهروب من السجون على جدول أعمال الأسرى النضالية والقيام بها وقتما سمحت لهم الظروف والامكانيات، يجب ألا نترك مؤسسة السجون تنام ليلة واحدة ملئ جفونها، كما يجب ألا يثني الاسرى فشل مثل هذه المحاولات، في أي مرحلة من مراحلها، عن إعادة المحاولة من جديد، ويحب ألا يتسلل اليأس والقنوط إلى نفوسهم من هذا الشكل النضالي المبدع، رغم الألام الشديدة التي يتحملونها.
من الهام أيضا التعامل مع هذه القضية بموضوعية وواقعية، حيث يعرف الجميع جيدا أنه ليس من السهل أن تنجح مثل هذه العمليات في مختلف مراحلها، فهي ان نجحت في الخروج من داخل السجن وتنفس أبطالها انسام الحرية وكحلت عيونهم بالوطن والارض والشجر، لا يعني أنه من السهولة أو من الحتمي الانتصار في باقي المراحل المختلفة وصولا إلى التحرر الكامل، هذا هدف مهم ولكنه ليس الهدف الوحيد. كل مراحل عملية الهروب بدءا من التخطيط مرورا بالتمويه والحفر واختيار طريقة الهروب والخروج من أسوار السجن وقطع المسافات بعيدا عنه، اهداف هامة يجب تحقيقها أو تحقيق بعضا منها بهدف ارباك الاحتلال وتحقير مؤسسته واجراءاته الأمنية.
نعم ليس من السهل الوصول إلى الحرية الكاملة عن طريق الهروب من السجن بسبب صغر مساحة البلاد، وقوة الاحتلال اللوجستية والأمنية، وتوفر مختلف وسائل المتابعة والملاحقة التي تمكن قواته من الوصول إلى الأسرى قبل وصولهم إلى مناطق امنة، مع العلم أن الاحتلال لديه القدرة والإمكانية للوصول لهم هناك في أماكنهم الجديدة وإعادة اعتقالهم أو تصفيتهم جسديا. هذا يجب أن يكون مفهوما ويجب ألا يثني الأسرى للحظة عن محاولاتهم المتكررة للهروب من باستيلات آخر احتلال في التاريخ.
كثير من المولولين الذين يثبطون انفسهم وشعبهم من خلال اتهام الجميع بالتقصير وطرح التساؤلات حول ماذا قدمنا للأسرى، لماذا لم يكن هناك تنسيق بينهم وبين الفصائل، ماذا فعلت لهم السلطة والفصائل، لماذا لم نوفر لهم السلاح، لماذا لم يحميهم ابناء شعبهم ويقدم العون والمساعدة لهم، كل هذه الأسئلة البريئة والتي تطرح من قبل أبرياء وبعض المناضلين تشير إلى عدم وعي ومكانة معركة الهروب في النضال الفلسطيني.
هل نحن أمام عملية عسكرية، اذا كنا امام عملية عسكرية فهي بحاجة إلى كل ما يطرحه هؤلاء، ولكن الهزيمة ستكون حتما حليفنا، لان هذا المجال هو الذي يتفوق فيه عدونا ويريدنا دائما وفي مختلف الأحوال أن ننجر اليه، رغم اننا جميعا نعرف أن أي اتصال مع الأسرى الفارين من السجون سيكون الوسيلة الايسر لالقاء القبض عليهم فورا، كما يعرف الجميع أن إطلاق قذيفة أو ما يسمى صاروخ من هنا او هناك لا قيمة له البتة في تغيير المعادلة، وأن مثل هذه الطروحات هي للمناكفة ولاثبات ضعف اصحابها وعدم مقدرتهم الا على الخطابات الرنانة، فضلا عن تعريض شعبهم إلى القصف والتدمير المجاني.
الهروب من السجن جزء من المقاومة الشعبية الفلسطينية، اختاره الأسرى كطريق نضالي لتحقيق أهدافهم من خلاله، وليس من أجل تبكيت والنيل من وحدة شعبهم، وإظهار ضعف مكونات العمل الوطني الفلسطيني، أو بث الفرقة بين هذا التجمع أو الاثنية الفلسطينية وباقي أبناء الشعب.
نحن أمام حلقة من حلقات نضال الأسرى وشكل هام من أشكال هذا النضال الذي يجب أن ينظر له من خلال موقعه الطبيعي في المقاومة الشعبية الفلسطينية وكمكون هام من مكوناتها الرئيسية.
الحرية لأبطال الحرية.
