لماذا يدعو بلينكين للتطبيع مع إسرائيل ولا يدعو لانسحابها من الأراضي المحتلة؟!

المحامي-إبراهيم-شعبان
المحامي-إبراهيم-شعبان

بقلم:المحامي ابراهيم شعبان
في تصريحاته الأخيرة دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين اليهودي الديانة الدول العربية لمزيد من التطبيع مع إسرائيل، وقد رحب وشجع هذه الخطوة، بل دعا لمزيد منها وبأشكال أخرى لتضفي دفئا وودا وصداقة على العلاقات مع إسرائيل. وللأسف الشديد لم يذكر طلبا واحدا من طلبات كثيرة يجب أن تتخذها وتقوم بها إسرائيل واجبا وفرضا لو وجدت الإرادة الدولية الحقيقية ومنها الإرادة الأمريكية.
السيد بلينكين اليهودي المثقف، يعلم علم اليقين أن إسرائيل احتلت الأراضي الفلسطينية ومرتفعات الجولان حينما غزتها عبر قواتها العسكرية في عام 1967. ويعلم أيضا أن على إسرائيل مطالبة بتنفيذ اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي المحتلة. ويعلم علم الأكيد أن هذه الإتفاقية نصت على تعيين دولة حامية لتنفيذ هذه الإتفاقية. وتدليلا على حسن نوايا الفلسطينيين فنحن نرحب أن يقوم الأمريكيون بدور الدولة الحامية وملاحقة تنفيذها على الأرض الفلسطينية المحتلة، قبل التطبيع واشكاله. تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة وتطبيق اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 ليس منّة أو صدقة من أحد بل واجب فرضته المادة الأولى من اتفاقيات جنيف الأربع مجتمعة لعام 1949 والتي غدت جزءا من القانون الدولي العرفي بعد سبعين عاما من سنها ومصادقة أكثر من 190 دولة عليها. لو احترمت الدول تواقيعها ومصادقتها على نصوصها  ومنها الولايات المتحدة وإسرائيل لأُلزمت الأخيرة بتطبيق نصوصها، بدل أن تضرب بها عرض الحائط.
لكن السيد بلينكين لم يحد عن خطوات وسياسات من سبقه، مثل هنري كيسنجر اليهودي الديانة ووزير الخارجية الأمريكي ايام حرب تشرين عام 1973، ومثل دينيس روس اليهودي الديانة الذي كان جوكر الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين سواء أكانوا ديموقراطيين أو جمهوريين، أو مثل جوريد كوشنير الذي وصفه حديثا الرئيس الأمريكي المغلوب على أمره ترامب بتصريح حقيقي، بأن ولاءه لإسرائيل أكثر من ولائه للولايات المتحدة الأمريكية. وهذا مؤشر هام لما أشرنا إليه من تنازع للمصالح عند السياسيين الذين يحملون الجنسية الأمريكية بين الحلم الأمريكي وبين الصيونية والمصلحة الإسرائيلية. ولعل علاقة نتنياهو مع الزعيم الأمريكي الأسود أوباما وتحدي الأول للثاني أمام الكونجرس الأمريكي ما يؤكد ما نذهب غليه.
ولو كان وصفي وكلامي خاطئا، فليقم بلينكين وبايدن من قبله بالتحقيق في انتهاكات إسرائيل لاتفاقيات جنيف الأربع ولاهاي لعام 1907، وبرتوكول 1977, ومواثيق حقوق الإنسان لعام 1966 الخاصة بالحقوق الإجتماعية والإقتصادية والمدنية والسياسية وميثاق حظر التعذيب . وهي معاهدات وقعت عليها الدولة العبرية وصدقت عليها وغدت ملتزمة بها. ولم تكلف نفسها الدولة الأمريكية ولا الدول الأوروبية المنافقة أيضا بمطالبة إسرائيل بتنفيذ هذه المواثيق بحق الفلسطينيين والتمتع في الحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية ومنع تعذيبهم.
لماذا حينما قامت العراق بغزو الكويت عام 1990 استنفرت الإدارة الأمريكية وكل طواقمها واستصدرت القرار المربوط بالفصل السابع الخاص بالجزاءات  تلو القرار. بل شكلت جيشا من دول العالم تحت الإدارة الأمريكية وقيادتها لتحرير الكويت من الإحتلال العراقي. بل أمرت القوات المصرية والسورية والسعودية للإنضمام لهذا الجيش الأممي. بينما حينما غزت القوات الإسرائيلية الأراضي العربية لمصر وسوريا والأردن، استغرق صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 حوالي خمسة أشهر ونصف ولم يكن مؤيدا بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
لماذا تقدم الإدارة الأمريكية كل تلك المساعدات الأمريكية المنظورة وغير المنظورة للدولة العبرية والتي تقدر بعشرة مليارات دولار سنويا. ولماذا لا تشترط  الإدارة الأمريكية على الدولة العبرية ما يستشفه القارىء للدستور الأمريكي من حقوق وحريات ومساواة وعدم تمييز وحرية تنقل وحق مسكن للفلسطينيين. وهل يعتقد السيد بلينكين أن بضعة ملايين للأونروا وللسلطة سيحسن من صورة أمريكا عند الفلسطينيين. إن كان ذلك ما يعتقده فهو واهم.
 لماذا لا يأمر السيد بلينكين إسرائيل بالسماح إجراء انتخابات ديموقراطية في القدس وفلسطين قبل دعوته للتطبيع. لماذا لا يعتبر القدس بشقيها عاصمة للفلسطينيين والإسرائيليين. لماذا لا يتدخل السيد بلينكين ويسمح للمتظاهرين الفلسطينيين بممارسة حقهم في التظاهر أم ان التطبيع وحده يدغدغ عواطفه. لماذا لا يدعو إسرائيل باحترام الستاتوس كو في الحرم القدسي الشريف . بل لماذا لا يعيد فتح قنصليتها في القدس ويعيدها إلى سابق عهدها حتى هذا اليوم، رغم تعهدبايدن ايام الإنتخابات بإجراء ذلك. لماذا لا يمنع الإعتقال الإداري ويدينه ، لماذا لا يدين بلينكين هدم منازل الفلسطينيينن. لماذا لا يدعو إلى إلغاء منظومة القوانين العنصرية الإسرائيلية مثل قانون أملاك الغائبين وإبعاد الفلسطينيين وأنظمة الطوارىء. لماذا لا يتابع السيد بلينكين قتل الفلسطينيين المدنيين على أيدي القوات الإسرائيلية ويدينه، بدل التطبيع المزعوم. ألا يعرف السيد بلينكين إن مواطنين أمريكيين من اصل فلسطيني دفعوا ثمنا غاليا من معنوياتهم ونفسياتهم ومادياتهم في هذا الصدد. ويزيد الأمر غرابة ودهشة أن الإدارة الأمريكية تسمح صباح مساء باستعمال اسلحتها وقنابلها وبلدوزراتها بقتل وجرح الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم. وللاسف لا تفتح تحقيقا محايدا لمعرفة كيفية استعمال السلحة الأمريكية. هذا أمر يجب أن تراقبه الإدارة الأمريكية بل هو واجبها والتزامها الأولي ولا تستطيع الحيدة عنه.
حتى العدالة الدولية نأت بنفسها الولايات المتحدة عنها، فرغم توقيع كلينتون وإدارته على ميثاق روما بشكل أولي، إلا أن بوش الإبن سحب هذا التوقيع. بل وصل الأمر ايام دونالد ترامب بتوقيع عقوبات على النيابة العامة للمحكمة الجنائية الدولية وقضاتها، رغم ان حلفاءها في المنظومة الأوروبية قد انضموا لميثاق روما والمحكمة الجنائية الدولية. وأمام محكمة العدل الدولية نات بنفسها عن تأييد الراي الإستشاري بخصوص الجدار بل أوعزت لقاضيها الأمريكي الجنسية اليهودي الديانة باتخاذ راي مخالف عن الأربعة عشر قاضيا.
ألم تتعظ الولايات المتحدة من دروس التاريخ سواء في كوريا أو في فيتنام أو في الصومال أو في نيكاراغوا أو في تشيلي أو في فنزويلا أو في أفغانستان أو في إيران، آملين ان يكون لها درس في فلسطين يوما قريبا آتيا لا شك فيه، وأن تتوقف عن ازدواجية المعايير. 
أتمنى أن تعود الولايات المتحدة خلف حجابها، وتعتكف في عزلتها داخل قارتها، وتهتم بشؤونها، ورفاهية مواطنيها، وإن وجدت ذلك غير مناسب، فعلى الأقل ان ترفض الدور الإستعماري الذي ورثتها إياه  بريطانيا العظمى. ليتعظوا من محاربيهم الشجعان والقدامى الذين رموا بميدالياتهم لسلة المهملات في حروبهم القذرة كما وصفوها.
على الولايات المتحدة أن تلتزم باحكام القانون الدولي العام والإنساني وحقوق الإنسان ومواثيقه ودستورها وقانون ليبر في الحرب الأهلية، وان تعامل الدول جميعا بالمثل دونما تمييز، وعلى قدم المساواة. فقبل ان يدعو الدول العربية  للتطبيع مع إسرائيل، عليها أن تضع العدالة نصب عينيها، وأن تحقق حق تقرير المصير للفلسطينيين وان تعترف بدولته العتيدة إذا رغبت في تحقيق تطبيع سليم، فعامل الناس كما تحب أن يعاملك الناس، فصاحب الصنائع السبع لا يتقن اية صنعة.

البوابة 24