البوابة 24

البوابة 24

تفاصيل شخصية لليوم الأول بعد التحرير

ايهاب بسيسو
ايهاب بسيسو

بقلم د.ايهاب بسيسو 
تفاصيل شخصية لليوم الأول بعد التحرير
بدون مؤتمرات وخطابات سياسية ... 
من يوميات قادمة قيد الكتابة: 
-١-
في اليوم التالي لتحرير فلسطين لن أفعل شيئاً استثنائياً غير أنني سأحرص على قيادة سيارتي الخاصة في الصباح الباكر من غزة إلى حيفا مستمعاً طوال الطريق إلى مزيج من أغان فلسطينية وموسيقى من بينها تريو جبران وفرج سليمان وشادي زقطان وفرقة الانس والجام وهوا دافي من الجولان وبعض من مقطوعات عازفي جمعيتي الكمنجاتي وإدوارد سعيد الكلاسيكية ... 
في البداية وقبل كل شيء سأكون قد تفقدت رواية "عائد إلى حيفا" في مكتبتي الشخصية لأضعها في حقيبتي الجلدية من أجل أن أعيد قراءتها في مقهى شعبي في وادي النسناس أو في شارع الكرمل ...
وسأكون قد تصفحت وجه محمود درويش طويلاً ووجه أحمد دحبور، كأنني أستعين بملامح الوجوه لاستعادة الجغرافيا مكثفةً في تلك النظرات العميقة المطلة من أغلفة الكتب العتيقة ... 
سأجعل المشوار عفوياً وخاصاً فلن أرهق الأصدقاء بمكالمات هاتفية ورسائل عن توجهي في الصباح المبكر إلى حيفا، ففي يوم كهذا سيكون الكل مشغولاً ببرنامجه الخاص لمشاوير الحرية بعد التحرير ... 
بالنسبة لي برنامجي بسيط وعفوي، يتلخص بإسترداد المكان من الصور واللوحات والكتابات المختلفة عن فلسطين الحقيقة والرؤية دون أن يتخلله نقاش أو أحاديث مع أحد عن حل دولتين أو حل دولة واحدة أو تناقضات في الفكر أو الايديولوجيا السياسية ... 
سأبدأ من حيفا لرمزية خاصة في الذاكرة قبل أن أواصل شمالاً إلى عكا وصفد ورأس الناقورة ثم أبدأ في الهبوط جنوباً نحو الناصرة ... 
أريد فلسطين المنتزعة من كتاب حقوق الانسان بقسوة مفرطة أن تعود إلى صورة بهية في المستقبل دون تمييز أو سياسات عنصرية بائسة واحتلال استعماري يصادر الحق في الوجود والحياة بطمأنينية وحرية ... 
رحلة كهذه تحتاج إلى الكثير من مخيلة ممزوجة بالحلم والذاكرة وكونها تجربتي الأولى في الانطلاق شمالاً دون حواجز أو تصاريح مرور فلي أن أترك لعفوية الأمكنة أن تظهر متحررة من وسوسات الحذر ... 
قبل الخروج من البيت سأودع والدي ياسر بسيسو الحاضر في الذاكرة بقبلة على جبين برواز الصورة ... 
لقد تجاوزت الأربعين من العمر وما زال هاجس الحواجز العسكرية يداهمني في كل وقت ككابوس يقظة لا يهدأ ومع هذا أقنعني أنه منذ اليوم لن  يكون هناك حاجة للانتظار سنوات إضافية لاستصدار تصريح مرور بين مدينة ومدينة على امتداد الخارطة ... 
يكفي أن أنطلق في السيارة - كأي إنسان عادي حول العالم - مع فنجان قهوة في كأس ورقي ليبدأ مشوار الحرية المؤجل ... 
سيكون الجنود قد اختفوا من الطرقات، حاجز  بيت حانون "ايريز" شمال غزة على سبيل المثال سيكون مهجوراً تماماً، لم يعد هناك حاجة لوجود ذلك البتر القسري بين المكان والمكان ...
ملاحظة أولى: سأفكر لاحقاً -وبعد الاستعانة برؤية بعض الأصدقاء المعماريين/ات - في كيفية جعل الحاجز متحفاً مفتوحاً على الدوام أمام المسافرين من وإلى غزة ...
متحف لتاريخ المعاناة مع مقهى صغير يطل على الطريق ومتجر لبيع الكتب والتذكارات التاريخة ...
يُتبع ...

البوابة 24