البوابة 24

البوابة 24

تسعون ...

ايهاب بسيسو
ايهاب بسيسو

بقلم:د.ايهاب بسيسو 
تسعون ...
الرقم الذي يجعلك تسترد بعضاً من أنفاسك المتعبة وأنت تتابع تلك الشاشة الاليكترونية التي تقيس نسبة تشبع الأكسجين في الدم ... 
يقول الأطباء إن ثبات تشبع الأكسجين في الدم فوق التسعين يعني بداية استقرار الحالة المرضية ...
تُسابقُ الأزيز المتواصل الصادر عن جهاز صغير مثبت في سبابة اليد كي تصل إلى التسعين ويهدأ قليلاً انفعال الضجيج الاليكتروني ... 
هذه اليد ...
تتأمل السنوات وهي تزحف في اتجاه اليد النحيلة، اليد التي من بين أصابعها تشكل العالم رويداً رويداً ...
اليد التي أزاحت ستارة العتمة عن طفل في المهد، اليد التي أطلقت عصافير الصباح من أطراف الأصابع، اليد التي مسَّدت رأس الصغير في ليالي الحمى والانفلونزا الشديدة، اليد التي حملت كأس الماء بعد منتصف الليل، اليد التي تابعت أولى أحرف الكتابة المدرسية ثم صارت معجماً لأبجديات الحياة ... 
تريد رؤية الرقم تسعين على الشاشة الاليكترونية  ...
تريد لهذا الأزيز الحاد الأقل من تسعين أن يهدأ قليلاً لتهدأ رئتاها عن طحن الهواء الثقيل بحثاً عن حفنة إضافية من أكسجين ... 
ثم تعود بعفوية لتأمل اليد النحيلة ...
اليد التي كانت تترك باب البيت موارباً في الانتفاضة كي يسهل على الفتية في المظاهرات القفز من بيت إلى بيت خلال مطارادت الجنود ...
اليد التي علَّمت الصغار معادلات الأرقام الحسابية في المدرسة الابتدائية وأن فلسطين لا تقبل القسمة على أي عدد فهي الكل المتكامل بين الجغرافيا والتاريخ والحكايات ... 
اليد التي علمتك كيف تحفظ اسم فاطمة برناوي في الذاكرة فحفظت إلى جانب الاسم العديد من أسماء المناضلات اللاتي رسمن خارطة الوقت بسنوات الصبر خلف قضبان الاحتلال ... 
اليوم تصل الأسيرة المحررة نسرين أبو كميل إلى غزة بعد سنوات من الاعتقال، تدون الاسم في راحة اليد ...
كأنك تعيد سيرة الأسماء اللاتي تعلمتهن من الوالدة إلى فضاء الحكاية المستمرة في النبض والحركة كل يوم ... 
كأنك تهمس في راحة اليد حكايات أسرى وأسيرات تابعتها في الوقت المضطرب العابر بين وجهك القلق وصور عدة عبر الصحف ونشرات الأخبار ... 
تحتاج إلى رقم تسعين على الشاشة الاليكترونية لتخبر الأم التي تصارع فيروس كورونا بأننا سنخرج من هذا الوقت الثقيل، سنسترد بعضاً من عافية الوقت ونحن نتحدث عن هذه الأيام التي تحاول إخافتنا كغول في حكاية شعبية ...
غير أن الوالدة كعادتها وبحركة من يدها تطمئن الابن بأنها ما زالت قادرة على صد غيلان الحكايات والمرض رغم ضجيج شاشة اليكترونية يتأرجح حول رقم تسعين الذين يعني نسبة تشبع الأكسجين بالدم ...

 

البوابة 24