البوابة 24

البوابة 24

غزة: نصف مليون فلسطيني في طابور واحد!

مصطفى ابراهيم
مصطفى ابراهيم

بقلم:مصطفى ابراهيم

أثارت صور طوابير حشود العمال العاطلين من العمل الذين اصطفوا للتسجيل أمام مقرات الغرف التجارية في مدن قطاع غزة، غضباً عارماً، ولا تزال تداعياتها تتفاعل، وإن لم تتخذ إجراءات وسياسات شفافة لمساءلة الذين تسببوا بالإساءة للعمال، والأهم إيجاد فرص عمل لربع مليون مواطن.
تحاول السلطات الحاكمة في الضفة وغزة التملص من المسؤولية، إلا أن حجم الفجوات والخلاف والرؤى تجاه فكفكة أزمات غزة، يبدو واضحاً، مقابل بث أوهام في صفوف العمال، والتصريحات الصادرة من مسؤولين إسرائيليين مفادها أن المطلوب 5 آلاف تصريح للعمل.
هذه المشاهد تشير إلى وجود شبهات فساد ووساطات في منح عدد من التصاريح من قبل بعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية قبل الإعلان عن التسجيل، مقابل صعوبة وضع حوالى ربع مليون عاطل من العمل في غزة، يحق لهم العيش بكرامة، علماً أن نسبة البطالة في القطاع إلى نحو 65 في المئة، فيما تصل نسبة الفقر إلى نحو 80 في المئة.

صور طوابير الشباب تعبير حقيقي عن معاناتهم، وسط تعميق الانقسام وبحث المسؤولين في السلطات الحاكمة عن تسهيلات وحلول ترقيعية بموافقة إسرائيلية، وقيود ووعود وشروط التهدئة مقابل الغذاء والأمن والاستقرار، إلى جانب تمكن السلطات الحاكمة من البقاء في الحكم في ظل سيطرة الاحتلال الاسرائيلي على الموارد الفلسطينية، وفرض حصار خانق على القطاع منذ عقد ونصف العقد…
هذه الطوابير هي التعبير الحقيقي عما يبحث عنه الناس في غزة، العمل من أجل لقمة العيش، التي أصبحت أسمى أمانيهم، في ظل عجز السلطة الحاكمة في الضفة الغربية عن تحمّل مسؤولياتها تجاه الغزيين وعجزها عن توفير الحد الأدنى من العيش الكريم، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.
وإلى جانب عجز حكومة “حماس” التي تتذرع بالحصار والعدوان المستمر على القطاع عن القيام بمسؤولياتها، تعتمد في مواردها الحكومية على الإيرادات المحلية من الضرائب والرسوم الداخلية والجمركية، وتسجّل عجزاً عن توفير حاجات الناس وخلق فرص عمل، وهي لم تبادر للقيام بمشاريع استراتيجية تخفف من حدة البطالة والفقر.
طوابير العمال أمام الغرف التجارية في مدن قطاع غزة، ليست مفاجئة، فالحصول على فرصة عمل، بات حلم الجميع. كما يعاني العمال من الضفة من انتهاك حقوقهم، ويتجاوز عددهم 150 ألفاً، حوالى 70 ألفاً يحصلون على تصاريح من السلطات الاسرائيلية، والآخرون يعملون بلا تصاريح في إسرائيل والمستوطنات في الضفة الغربية، والتي توقفت عن تشغيل العمالة الفلسطينية الوافدة من غزة، منذ بداية تسعينات القرن الماضي، وقد  وصل عددهم في حينه إلى ما يقارب الـ150 ألف عامل. وكان ذلك بداية تنفيذ مخطط فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.
جاء زحف هذه الحشود على ضوء “التسهيلات” التي أعلنت عنها إسرائيل  وزيادة تصاريح التجار والعمال الذين سيسمح لهم بتسجيل لا كعمال بل كتجار مع ضرورة الحصول على سجل تجاري في الغرفة التجارية، وسعيد الحظ من يحصل على تصريح تاجر وليس تصريح عامل، وذلك من دون أي حقوق أو ضمانات اجتماعية.
من حق هؤلاء البحث عن عمل في ظل غياب فرص العمل وموراد وخطط وسياسات وإجراءات حكومية لحمايتهم، وهم محرومون من جميع سبل العيش الكريم، كما أن أكثر من 80 في المئة من فلسطينيي غزة يتلقون مساعدات إنسانية موسمية.
ومنذ عام 2018، لم تلتزم الحكومة ووزارة التنمية الاجتماعية بصرف أربع دفعات سنوياً للمساعدات النقدية للأسر الفقيرة “مخصصات الشؤون الاجتماعية”، واقتصر الأمر على ثلاث دفعات فقط في حين تلقت الأسر الفقيرة ومنذ مطلع عام 2021 دفعة واحدة فقط وغير مكتملة (تم صرف 750 شيكلاً، لجميع الأسر ما يعادل 230 دولاراً أميركياً).

مشهد الحشود ليس مدهشاً، فهو متوقع، والمحزن أن العمل في إسرائيل حلم وأمل يراود عشرات آلاف العاطلين من العمل، فهؤلاء وغيرهم منذ عام 2000، لم يحصلوا على أي فرصة للعمل والسلطة أوقفت التوظيف في القطاع، وحكومة “حماس” لا تستوعب أكثر من 40 ألف موظف، يتلقون 40 في المئة من الراتب الشهري.
فمن المسؤول عن بث أمل كاذب في صفوف ربع مليون فلسطيني من غزة، بلا عمل، لإيجاد فرصة عمل لدى الاحتلال، فيما المطلوب 2500 تصريح وحسب؟
الإجابة البدهية ستكون إن السلطات الإسرائيلية، هي المسؤول الأول عن كل ما يحصل في الضفة والقطاع، وهي التي تحاصر القطاع وتمنع الفلسطينيين من حرية التنقل والسفر والعمل. لكن المسؤول الحقيقي أيضاً عن الأوضاع البائسة واهانة كرامة الفلسطينيين وإذلالهم، هو من ارتضى أن يكون حاكماً ليمارس سلطاته تحت سلطة الاحتلال ولا يستطيع توفير الحقوق والحاجات الأساسية للناس، في منطقة جغرافية وصلت فيها نسبة الفقراء إلى 53 في المئة، في حين أن الذين يقل دخلهم الشهري عن خط الفقر الوطني يشكلون 67.6 في المئة.
أما ما تبقى من حركة تحرر وطني، فما زال عاجزاً عن تأمين حرية غير مرتهنة، وما زالت لقمة عيش الفلسطيني ممزوجة بالدم والذل والحزن، إذ يبدو أن الفقر والجوع هما العدو الأول قبل العدو العسكري.

البوابة 24