تداعيات التصعيد السعودي ضد لبنان عزلة عربية وانهيار اقتصادي قد يفضي لخسارة لبنان

 المحامي علي ابوحبله
 المحامي علي ابوحبله

بقلم: المحامي علي ابوحبله

تداعيات التصعيد السعودي ضد لبنان عزلة عربية وانهيار اقتصادي ، قد يفضي لخسارة لبنان". المحامي علي ابوحبله ما يجري بين لبنان والسعودية لا يعود فقط لتصريحات جورج قرداحي ولا لوقف الرياض منذ مدة استيراد الخضر والفواكه من لبنان بسبب "تهريب المخدرات"، بل هو صراع نفوذ وتشابك في المصالح الاقليميه بحيث بات لبنان مسرح لصراعات النفوذ والمصالح بين قوى متصارعة ، الأزمة مع السعودية اندلعت بعد أقل من شهرين على تشكيل حكومة كان يأمل اللبنانيون منها ان توقف الانهيار الاقتصادي والمعيشي في بلادهم. تتخطى الأزمة الدبلوماسية بين الرياض وبيروت تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي حول الحرب في اليمن، لتعكس وفق محللين، صراعاً سعودياً إيرانياً يدفع ثمنه مجدداً لبنان الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية ، وتدعم القوتان الإقليميتان منذ عقود قوى سياسية محلية متخاصمة، لكن دعم السعودية الحليفة التقليدية للبنان، تراجع تدريجياً خلال السنوات الماضية، على خلفية تعاظم دور حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز المدعومة من طهران. وحملت الرياض على المسئولين اللبنانيين، خصوصاً حلفاءها لا سيما رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، بسبب عدم تصديهم لهذا الدور.

ورغم إقدام الحكومة اللبنانية إلى رفض تصريحات قرداحي وتأكيدها أنه "لا يعبر عن موقف الحكومة إطلاقا"، استدعت السعودية والإمارات سفيري لبنان لديهما للاحتجاج، ثم استدعت الرياض والمنامة سفيريهما من بيروت وطلبتا من سفيري لبنان المغادرة مع وقف السعودية للواردات من لبنان.

وسارت الكويت على خطاهما. ودعت مجموعة من رؤساء وزراء لبنان السابقين جورج قرداحي للاستقالة، وقالوا في بيان إن آراء قرداحي "ضربة للعلاقات الأخوية والمصالح العربية المشتركة التي تربط لبنان بالدول العربية، وتحديدا مع دول مجلس التعاون الخليجي".وبررت الكويت قرارها كذلك بـ"عدم اتخاذ حكومة الجمهورية اللبنانية الإجراءات الكفيلة لردع عمليات التهريب المستمرة والمتزايدة لآفة المخدرات الى الكويت وباقي دول مجلس التعاون".

وفي الأيام الماضية، أعلنت السعودية عن عدة عمليات صد مهرّبي المخدرات تمكّنت خلالها من مصادرة آلاف من حبوب الكبتاغون المخبئة داخل فواكه مستوردة. وكانت السعودية علقت في نيسان/ابريل الماضي استيراد الفواكه والخضار من لبنان، أو السماح بمرورها على أراضيها، بعد ضبط الجمارك أكثر من 5,3 ملايين حبة كبتاغون مُخبأة ضمن شحنة من الرمان. الأزمة المستجدة، تُعقّد المشهد في لبنان، وتدفع هذا بلبنان نحو مزيد من العزلة والانهيار، ما يعمق الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعاني منها منذ أكثر من عامين ، والأزمة مع السعودية قد تقلب الموازين في لبنان رأساً على عقب، وتدفع القوى والأحزاب في لبنان نحو حسابات جديدة، بعد أقل من شهرين على تشكيل حكومة كان يأمل اللبنانيون منها أن توقف الانهيار الاقتصادي والمعيشي في بلادهم. قرار سحب السفراء الخليجيون يشكل منعطفًا خطيرًا في تاريخ العلاقات اللبنانيه الخليجيه ، وقد ترتب عليه تداعيات سياسية واقتصادية إضافية على لبنان المثقل بالأزمات على أنواعها، ويربك الحكومة أكثر. وبرأي محللون الخطوة السعودية هي رسالة أساسية لحكومة نجيب ميقاتي التي تعتبرها الرياض أنها حكومة "حزب الله"، على حد وصف المتحدث السعودي .

وكان ميقاتي عبر أكثر من مرة عن أنه يسعى لتصحيح علاقة لبنان مع السعودية، وهذا ما ورد في برنامج عمل حكومته بأن "من أولوياتها العمل على استعادة العلاقات والروابط التاريخية بين لبنان وأشقائه العرب".وتاريخيا، كانت تسود علاقات مميزة بين الرياض وبيروت، إلا أنها توترت عام 2017 إذ اتهمت السعودية "حزب الله" بأنه يسيطر على القرار السياسي والأمني في لبنان، فضلا عن تدخله في حرب اليمن بدعم جماعات تعمل ضدها.ومن أبرز التوترات الدبلوماسية بين البلدين، كانت في مايو / أيار الماضي، عقب تصريحات لوزير الخارجية اللبنانية آنذاك، شربل وهبة، قال فيها إن "دول الخليج دعمت صعود تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة". "الأجواء في السعودية تشير أن لبنان سيكون في عزلة مع العرب، وأن ما جرى هو مؤشر على إمعان بيروت في الابتعاد عن العرب والاقتراب أكثر نحو المحور الايراني (يمثله "حزب الله" في البلاد)".

وأن "السعودية قد لا تفكر بالعودة الفعلية للانفتاح على لبنان إلا ببرنامج لبناني واضح يقوم على تصحيح السياسة الخارجية للدولة اللبنانية، واعتماد سياسة متوازنة مع العرب، تبعد لبنان عن سياسة المحاور". وكان بعض السياسيين اللبنانيين بينهم نواب في البرلمان طالبوا قرداحي بالاستقالة، إلا أن "حزب الله" رفض إقالته أو دفعه للاستقالة، واصفاً موقفه بـ"المشرّف والشجاع"، وقال في بيان إن "قرداحي وصف العدوان (على اليمن) على حقيقته". التصعيد الدبلوماسي من قبل الرياض تضمن وقف كافة الواردات اللبنانية إلى السعودية، ما سيترتب عليه خسائر مالية على لبنان ويعمق أزمته الاقتصادية التي صنفها البنك الدولي بأنها من بين 3 أسوأ أزمات اقتصادية في العالم.

ويفاقم التصعيد السعودي، ما لم ينجح لبنان في احتوائه، التحديات الشاخصة أمام الحكومة التي أبصرت النور بعد عام من فراغ نجم عن انقسامات سياسية حادة، والمعطلة جلساتها أساساً منذ أسابيع جراء اعتراض حزب الله على مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت المروع ومطالبته بتنحي المحقق العدلي. وكتب الباحث مايكل يونغ مدير تحرير في مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط، تعليقاً على مطالبات باستقالة حكومة ميقاتي على تويتر "يحتاج لبنان إلى حكومة، ولا يكسب شيئاً بإطلاق النار على قدمه، بينما يجد نفسه في خضم صدام إقليمي". وأضاف "بما أن السعوديين يعتبرون لبنان ورقة إيرانية، فإنهم يشعرون أنه من المنطقي التصرف تجاه البلد بهذه الطريقة".

لكنّ "المشكلة أنه من خلال عزل لبنان، سيضمنون فقط تشديد إيران ووكلائها المحليين سيطرتهم على لبنان". ويهدّد اصطفاف قوى سياسية الى جانب قرداحي، خصوصاً حزب الله لناحية عدم استقالته، مصير الحكومة التي دعا رئيسها الجمعة وزير الإعلام إلى "تقدير المصلحة الوطنية واتخاذ القرار المناسب لإعادة إصلاح علاقات لبنان العربية".

 

البوابة 24