البوابة 24

البوابة 24

في حضرة مولانا

محمد نصار
محمد نصار

من في حضرة مولانا....ق. ق

بقلم: محمد نصار

خرج مندفعا كلسان بركان انبثق فجأة، فصاح سائق مر من أمامه مسرعا: اصحى يا حمار. وظل في طريقه يرغي بأشياء لم تصله، أو لم يلتفت إليها، كان همه منصبا على النار المستعرة بداخله وفحيح كلمات الموظف، الذي رده للمرة الخامسة وهي تصفر في أذنيه كعاصفة من نار: قوانين يا أستاذ قوانين .. احترموا وقتنا يا أخي.

- أي وقت يا ابن ال... وأنت غارق في الفيس حتى اذنيك!، ثم أشار لعربة مرت بالجوار وسأل  السائق قائلا: المحكمة الشرعية؟.، فأشار له بالصعود.

نزل بابها واتجه من فوره صوب أحد الكتبة، شاب في الثلاثين من عمره، سبق وأن ساعده في إجراء مماثل، وضع الأوراق أمامه وقال مداريا سخطه: تعديل التاريخ من هجري إلى ميلادي.

- تقصد تاريخ الطلاق؟

- نعم.

حرك فأرة الحاسوب وراح يتابع التواريخ الواردة على الشاشة، حتى اهتدى إلى غايته، خطه على عجل في الطلب المرفوع إلى رئيس القلم، ثم مضى بصحبته وهو يتمتم متوجسا: يا رب تمضي ع خير.

- هل المسألة بهذا التعقيد؟

- لا ولكنه جديد في المنصب ويداري جهله بالتشدد.

طرق الباب .. وقفا لدقائق والصمت يلفهما، ثم فُتح الباب وخرجت سيدة في الأربعين من عمرها، على وجهها ابتسامة جعلته يستبشر خيرا، لكن حدسه خاب هذه المرة أيضا، فما أن وقفا أمامه، حتى تذكر الموظف السابق.. نفس الملامح والهيئة وكأنهما ولدا من رحم واحد.

أمسك بالطلب وراح يتأمله بتمعن، كطالب يدقق في أسئلة الامتحان، ثم اعتدل في جلسته وقال بصوت أجش: هل تأكدت من تاريخ الطلاق؟

- نعم يا مولانا.. نقلته عن الحاسوب.

- غريب!، قال وهو يقلب صفحات هاتفه، ثم تابع: تاريخ الطلاق المكتوب في الطلب 9 و على هاتفي 10 .

- يوم واحد لن يغير من الأمر شيئا يا مولانا.. ربما كان ناتجا عن اختلاف البرامج على الحاسوب.، قال الكاتب بصوت خافت يشوبه الرجاء. 

- كيف يا أستاذ؟، صاح محتدا وألقى بالطلب أمامهما.

- لا داعي للغضب يا مولانا فكلاكما على حق.، قال مداريا غضبه.

- نعم!. صاح القاضي محتدا.

 فلم يلتفت لفاهه المفتوح عن آخره ولا لعينيه الجاحظتين ولا حتى للكاتب الذي وقف مأخوذا بتدخله المفاجئ، ثم  تابع قائلا:  لقد وقع الإشكال يا مولانا قبيل منتصف بقليل، ثم حدث الطلاق بعد منتصف تلك الليلة أي في اليوم العاشر.

فعلت ضحكات رغما عن الواقفين بالباب انتظارا لدورهم، فيما عينا القاضي على حالهما من الصدمة والذهول، حتى انقضت لحظات من الصمت، صاح بعدها بملء فيه: يا شرطة.

فهرع اثنان على عجل، قال بمجرد أن رآهما أمامه وهو يشير نحوه بيده ترتجف من شدة الغضب: يُحبس أسبوعا بلا كفالة أو زيارة، حتى يتعلم الأدب ولا يستخف بهيبة المحكمة مرة أخرى.        

البوابة 24