البوابة 24

البوابة 24

عبودية.....ق.ق

محمد نصار
محمد نصار

بقلم: محمد نصار

ريح تعوي وصقيع ينخر العظام نخرا.. صمت مطبق وظلمة تكسو المكان وحشة ورهبة، فتح عينيه بإعياء شديد، ثم دس يده تحت الوسادة.. تحسس هاتفه.. ضغط زر الإنارة فيه، فانتشر الضوء من حوله.. هم بالنهوض، فغشته نوبة سعال جارفة.

نظر إلى الساعة على الجدار المقابل، كانت تشير إلى الرابعة والنصف، عاوده السعال من جديد، فتململت بجواره، نظرت إليه بإشفاق ورجته ألا يخرج في هذا الطقس البارد، لم يعقب بشيء، أزاح الدثار جانبا وسار صوب دورة المياه، تكرر السعال بحدة أكبر، فتكرر رجاؤها، رد حينها مغالبا أنفاسه المتلاحقة: لن يرحمني هذا الحقير إن تغيبت دون إذنه، فمنذ أن صار أمير المسجد وهو يتصيد الأخطاء لي.

- لكنك في حالة يرثى لها!

- هذا رأيك، أما هو، فله رأي آخر.

ما كاد يضع المفتاح في الباب، حتى لمحه مقبلا، ألقى التحية ودخل دون أن ينتظر رده، اتجه نحو سماعة المسجد، نظر إلى الساعة فوقها، تريث قليلا.. ردد بعض الأدعية، ثم رفع الأذان وما إن التفت خلفه، حتى انفجرت على شفتيه نوبة جديدة، تطاير رذاذها في كل مكان، فقفز الأمير محتميا بكوفيته وسيل من اللعنات ينهال من فمه.

- عذرا يا مولانا.

- ابتعد عليك اللعنة.

- كان الأمر رغما عني.

- قلت ابتعد ولا تدنو مني...

- آسف يا سيدي.

- عد إلى بيتك ولا تدعني أراك.

- إنها انفلونزا يا مولانا وليست كارونا كما تظن أو تعتقد.

- قلت اغرب ولا ترني وجهك بعد الآن . 

كان يغالب دمعه لحظة ولوجه البيت، نظرت إليه بخوف وتوجس، حاولت النظر في عينيه، فأشاح عنها، دس نفسه تحت اللحاف وأعطاها ظهره، سألت عن سر عودته المبكرة فلم يجب، حاولت مرة أخرى وحين أعياه إلحاحها، قال مغالبا سخطه: لقد طردني الحيوان.

- لماذا ؟

- ظلما وعدوانا.

- استسمحه.

- لن أفعل.

- من انحنى نجا.

- لا ردني الله إن فعلت.

أطرقت قليلا، راحت تفتش عن حيلة تضمن بقاؤه في العمل، فتنبهت بعد برهة إلى سكونه المفاجئ وغياب نوبات السعال عنه، هاجس أشعل بداخلها مواطن الخوف والقلق، رفعت الغطاء عن رأسه وهمست قائلة: دعك منه الآن وقم إلى الصلاة.

أعادت رجاءها مرة أخرى، ثم ثالثة وفي الرابعة وضعت رأسها على صدره، ثم ارتدت مذعورة إلى الوراء، محاولة كتم صرخة انفجرت مزلزلة هدأة الفجر من حولها.

البوابة 24