بقلم: بسام صالح
ونحن في قلب الموجة الرابعة من جائحة كورونا التي تدخل عامها الثالث، وبالرغم من اللقاحات، والاجراءات الاحتياطية فان الجائحة وتحولات فيروس كورنا المتعددة واخرها اميكرون مازالت تحتل الخبر الاول والصفحات الاولى لوسائل الاعلام المرئية والمكتوبة، والتي تركز الى الارتفاع المتصاعد لعدد الاصابات، وفي مختلف دول العالم، الولايات المتحدة فاق عدد المصابين المليون شخص، وفي اوروبا تكفي نظرة الى فرنسا 300 الف اصابة ايطاليا 200.000 اصابة المانيا اكثر من 300.000 اصابة، وتشير مصادر منظمة الصحة العالمية ان اوروبا ستشهد اصابة اكثر من 50 بالمائة من عدد السكان، وموت ما يقارب نصف مليون انسان نتيجة اصابتهم بكورونا، وهذا خلال الاشهر القليلة القادمة.
لم يعد خافيا على احد، مدى التخبط العالمي سياسيا وعلميا في مواجهة هذه الجائحة. في البداية انتظر الجميع وبصبر اكتشاف اللقاح المناسب، وتحمل اشهر الاغلاق التام في العديد من الدول، وتقسيم مناطق الدولة الوطنية الى مناطق بالوان مختلفة حسب درجة وخطورة انتقال الفيروس. جاءت اللقاحات وتفاءل الجميع بانهاء الاغلاقات والبدء بمحاولة العودة للحياة الطبيعية، خاصة اعادة انطلاق العملية الاقتصادية وانعاش الدول بعد فترة من الجمود الشبه كامل. ولكن الجائحة وتحولات الفيروس الى دلتا و اوميكون وما بينهما، اظهرت اعراض مرضية جديدة مازال العلماء يبحثون عن كيفية مواجهتها، ولكن ضمن نظام النيوليبرالية، الذي يسخر جهود كبيرة من اجل استعادة الحياة الاقتصادية حتى ولو كانت على حساب حياة البشر.
شكلت ايطاليا منذ بداية الجائحة مثالا، فكانت من اوائل الدول التي فرضت اغلاقا اجباريا استمر قرابة الثلاث اشهر 2020 ، ومازالت مشاهد الناقلات التابعة للجيش وهي تنقل مئآت الموتى الى مدن اخرى ليتم حرقها ماثلة امام العالم ، فلم تكن المشفيات خاصة في الشمالي الايطالي مجهزة لاستقبال الاعداد الهائلة من المصابين بفيروس كورونا، عدم الجهوزية وفي كافة المدن الايطالية كشف حقيقة السياسات الخاطئة التي مارستها الحكومات الايطالية خلال السنوات السابقة من خصخصة للنظام الصحي، وتخفيض موازنة واغلاق العشرات من المستشفيات العامة، اضافة للتخبط في القرارات الحكومية، حول ما يجب عمله لمواجهة الجائحة، وعدم اتخاذ قرار باجبارية التطعيم وتركه لقرار الفرد بحجة احترام حرية القرار، ومن جهة اخرى فرضت الحكومة ما اطلق علية البطاقة الخضراء والتي يتم الحصول عليها بعد اخذ جرعتي اللقاح، وكرست الاعلام بكل وسائله لاقناع المواطنين باخذ اللقاح، وهذه البطاقة تسمح للمواطن بالحركة ودخول المطاعم والسينما والمسارح، واقنعت المواطنيين ان من يحمل البطاقة انسان آمن، وفعلا ارتفع عدد الحاصلين على اللقاح الى نسبة تفوق ال 85% من المواطنين وهذا خلال الاشهر التسعة الاولى من العام الماضي، وقبل نهاية الصيف حيث تفتح المدارس بدأت حملة مناقضة بان من اخذ اللقاح لا يعني انه لا يحمل الفيروس او تحولاته، وبدأ الحديث عن الجرعة الثالثة، لاعادة تنشيط الجرعة الاولى والثانية وما اثار حفيظة المواطنين تخفيض مدة صلاحية اللقاح والبطاقة الخضراء من سنة الى تسعة اشهر واخيرا الى خمسة او اربعة اشهر، ومع ذلك زادت نسبة الملقحين، وزادت نسبة المصابين ايضا، بل ان العديد من الملقحين اصيبوا باعراض خفيفة واخرين ايضا توفوا بسبب الاصابة بالفيروس او متغيراته. وللحقية فان اكثر المصابين مازال بين الرافضين لتلقى اللقاح، بل ان بعضا منهم توفي لانه يرفض اخذ اي رعاية او علاج طبي ويتطاول على الاطباء والممرضين بالسب والشتم والاتهام بالقتل. ولكن هؤلاء احتلوا باصابتهم النسبة الاكبر من اسرة المستشفيات، وتم قرع اجراس الخطر، دفع الحكومة لفرض اجبارية التطعيم على الفئة العمرية من 50 سنة وما فوق، بينما شهدت المستشفيات ظاهرة اصابة الاطفال وهي الفئة التي كانت حتى فترة قصيرة مستبعدة من الاصابة، ومع اعادة فتح المدارس وتخبط الحكومة في قرارها الذي اكتفى في البداية بوضع التلاميذ الكمامات الواقية والتباعد في الجلوس، وفي حالة اصابة احد التلاميذ يغلق الصف وتتم العملية التعليمية عن بعد، وما خلقه ذلك من اشكاليات لاؤلياء الامور والمعلمين.
جدير بالذكر ان الحكومة الايطالية حصلت على 210 مليار يورو ديون من الاتحاد الاوروبي لمواجهة الجائحة وأثارها ومن ضمنها استنهاض الاقتصاد، واجراء بعض الاصلاحات في الدولة مثل القضاء والتعليم، ومزيد من خصخصة القطاع العام. ووجدت في حكومة ماريو دراغي الذي كان على رأس البنك المركزي الاوروبي، ضمانا لتنفيذ توصيات الاتحاد الاوروبي، ودراغي جاء بعد سقوط حكومة كونتي، ليشكل حكومة انقاذ وطني يشارك فيها كافة الاحزاب يسار وسط ويمين باستثناء حزب اخوة ايطاليا الذي بقي لوحده في المعارضة، ولكنه يصوت غالبا لصالح قرارات الحكومة بما فيها الموافقة على مشروع موازنة الدولة .
مع ارتفاع عدد الاصابات من مئآت قبيل فترة اعياد الميلاد ورأس السنة الى ما يفوق ال 200.000 مصاب تشير التوقعات ان عدد المصابين سيستمر بالارتفاع اكثر، مع ارتفاع عدد الوفيات الذي وصل الى اكثر من 350 وفاة يوميا، هناك حالة من الخوف تسيطر على الجميع، الخوف هو حمى اجتماعية مبررة ، علاوة على ذلك ، في هذه الحالة لأن هناك فيروساً يبذر المرض والموت بالرغم من اللقاحات. وبالتالي اصبحت النشرة اليومية التي تتناول حالات العدوى ، والدخول إلى المستشفى والوفيات "ضغوطًا لا طائل من ورائها" ، وفقًا لمن يجب أن يحكم فانه يطلب المسؤولون الإقليميون علانية التلاعب بالبيانات عن طريق إزالة أولئك الذين يصلون إلى المستشفى لأسباب أخرى وهم إيجابيون أيضًا لفيروس كورونا، وينشرون مزيدا من العدوى.
إن إدارة نظام في خضم جائحة عالمية ليست سهلة بأي حال من الأحوال. خاصة إذا ارتكبت خطأً قاتلا في اختياراتك الأولية - "المنطقة الحمراء" المفقودة في مناطق اخرى ، مارس 2020 - وواصلت نفس استراتيجية الخسارة ("التعايش مع الفيروس"). ويتراكم النظام المعقد - والمجتمع الرأسمالي الليبرالي الغربي بالتأكيد - مع مرور الوقت وما يحاول تبريره وتمويهه عن حالة العجز، ماهي الا نتيجة ألف حدث صغير على هامش الاختيار الأولي الخاطئ. عدم التمكن من الاغلاق التام وعدم القدرة على تعقب المصابين وحاملي الفيروس. لذلك قرروا السماح للفيروس بالانتشار في كل مكان بلا حدود. يضمن علماء الفيروسات المعتمدون في السابق مثل أنتوني فوشي أننا سنصاب جميعًا. هذا ما قاله بوريس جونسون ، الذي توقع "مناعة القطيع" حتى قبل اللقاحات (وحتى انتهى به الأمر إلى في خيمة الاوكسجين ، على حافة الهاوية).
ويضمن البعض الآخر أن "التطعيم" هو "مثل الأنفلونزا" ، ويجب التعامل معه على هذا الأساس. هذا دون فعل أي شيء ، على الأكثر "التوصية" بجرعة سنوية من اللقاح. هذا ما قاله بولسونارو وترامب ، انتهى بهما المطاف أيضًا في المستشفى ، ولكن بمستويات رعاية أعلى بالتأكيد من تلك المضمونة للمواطنين العاديين.
تبقى مشكلة الخوف، لأننا جميعًا، نرى أقارب وأصدقاء يمرضون، ينتهي بهم الأمر في المستشفى ويموتون أحيانًا وقد نجد انفسنا نمر بنفس التجربة، لقد علمتنا التجربة ان هذا المرض ليس مطلقا مجرد انفلونزا، عابرة او حادة انه شئ اخر، عدو منتشر وينتشر ولا نعلم من اين ومتى وكيف سيهاجمنا. ومع ذلك تستمر سيادة العجلة الاقتصادية التي تحكم حكومات العالم لاثراء تلك القلة التي تتحكم بمصير العالم!