العالم الجديد وفوضى المعايير تغيرت الأحوال وتبدلت الأمور ، وغدا العالم ، عالم الأقوياء ،وشريعة الغاب ، واختفت قيم العدالة ، وكل ذلك بفعل السياسة التي تتبعها القوى العظمى ، التي ساهمت بشكل كبير في إطالة أمد الحروب والنزاعات في العالم ، سواء بتأجيج الحروب والنزاعات، وإيجاد مسببات لها. وأصبحت الحروب والنزاعات يقودها الوكلاء، تلبية لأهدافهم ذات الأبعاد الاستراتيجية، لتصبح الشعوب هي الضحية وهنا نتساءل : ما جدوى وجود أعلى منصة دولية ( الأمم المتحدة ) ؟ منذ إنشائها قامت على إرساء قواعد و مبادئ الشرعية الدولية كمبدأ حظر استخدام القوة و مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، و غيرها من المبادئ التي اعتبرت كدعائم لتجسيد مبدأ سيادة القانون على الصعيد الدولي.
إلا أن هيمنة الدول الكبرى على مجلس الأمن باستحواذها على امتيازات العضوية الدائمة و حق النقض أدى إلى تطبيق ازدواجية المعايير في العديد من القضايا الدولية، منحرفا بذلك عن أهم مبادئ الشرعية الدولية و هو مبدأ المساواة في تطبيق القانون. وفي الحقيقة : إن ممارسة المجتمع الدولي لفوضى المعايير وسياسة الكيل بمكاييل في التعامل مع القضايا والصراعات الدولية،فقضية فلسطين أعدل قضية عرفتها البشرية ، أغمض العالم عينه عن جرائم الإحتلال الصهيوني ، الأمر الذي تمخض عنه ارتكاب المحتل الغاصب ، العشرات من المجازر ، وباتت الدول الإستعمارية تشكل غطاءً لانتهاكات وجرائم الإحتلال الصهيوني ضد شعبنا وأرضه وحقوقه، واستغلال دولة الاحتلال كقوة احتلال للتمادي في سرقة الأرض الفلسطينية وتعميق تمردها وانقلابها على الإتفاقيات الموقعة والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وفرص تحقيق السلام.وهنا يداهمنا السؤال الأكثر إلحاحاً : لماذا بكى العالم أوكرانيا ؟ وغفل عن فلسطين ؟ لقد استغلت دولة الاحتلال ، الأزمة الدولية أبشع استغلال في تنفيذ المزيد من مخططاتها التوسعية الإستعمارية على حساب أرض دولة فلسطين، والإستقواء الإستيطاني في أراضي المواطنين الفلسطينيين وعمليات الإعدام الميدانية والتهجير القسري، في محاولة لإلغاء الوجود الفلسطيني في القدس وعموم المناطق بمحافظات الضفة الغربية.
إنها فوضى المعايير ياسادة : فشعبنا الفلسطيني وغيره من الشعوب ، أصبحوا الضحية ، ولم يقف الأمر عند هذا الظلم ، بل أدان العالم من يدافع عن وطنه ، مع أن الشرائع الدولية كافة أعطت الحق للشعوب أن تدافع عن نفسها وبكل الوسائل الولايات المتحده الأمريكية التي قهرت الشعوب ونهبت خيراتها ،كانت ومازالت الدولة المارقة التي حطمت كافة القوانين والأعراف الدولية تساند الكيان الغاصب وتمده بكل الإمكانيات حتى أصبح فوق القانون الدولي ، مع أن المجتمع الدولي انتصر لشعبنا الفلسطيني وأُصدر مئات القرارات التي تدين الإحتلال الصهيوني ومع ذلك بقيت تلك القرارات رابضة في الأدراج ، وهنا نتساءل : ماذا عن العراق الشقيق ، الذي قتلت الولايات المتحدة الأمريكية الملايين منهم ؟ وماذا عن سوريا ؟ وماذا عن اليمن ؟ و اليوم وفي ظل الأزمة الأوكرانية الروسية ، ونحن على أبواب عالم جديد ، متعدد الأقطاب ، كيف سيكون حال العالم ، هل هو عالم شريعة الغاب أم عالم جديد ، تنتصر فيه العدالة الدولية ؟ الأيام القادمة تحمل في طياتها الكثير ، وإن غداً لناظره قريب.