صعود اليمين المتطرف في أوروبا رسائل ودلالات

بقلم: جلال نشوان

 يلحظ المتابع للمشهد السياسى على الساحة الأوروبية ، أن هناك تحولاً في المزاج العام ، باتجاه أحزاب اليمين المتطرف وهذا التحول وإن كان بطئياً يبدو أنه في صعود مستمر ، حيث بات الأمر يستحق الدراسة ، لرصد تلك المتغيرات ولعل وجود شخصيات إعتبارية لها وزن ، في تزعم التظاهرات والإحتجاجات يؤكد صحة ذلك ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً : كيف نجحت أحزاب اليمين المتطرف في تعزيز شعبيتها ؟ وتأتي الإجابة ، أن القوى اليمينية المتطرفة نجحت في تبوأ مكانتها من خلال الإنتخابات في الدول الأوروبية، مثل (السويد والمملكة المتحدة وفرنسا والنمسا وهولندا وسويسرا) وفي بعض تلك الدول تشارك الأحزاب اليمينية في مقاليد الحكم ، كما في الدنمارك وما نشاهده اليوم في الأزمة الأوكرانية الروسية ، تطوع الآلاف من النازيين الألمان وكذلك ظهور النازيين الأوكرانيين وعصابات اليمين المتطرف يدل دلالة واضحة على تلك التحولات التي تشهدها أوروبا الشرقية والغربية وفي الحقيقة : إن إنتخابات الرئاسة النمساوية الأخيرة مثالاً على ذلك، إذ تصدر( نوربرت هوفر ) مرشح حزب الحرية اليميني المتطرف الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في أبريل 2016 بحصوله على 36,4% من الأصوات، وبالرغم من أنه خسر في جولة الإعادة التي جرت ، أمام مرشح حزب الخضر(فان دير بيلين ) إلا أن خسارته كانت بفارق ضئيل جداً لم يتجاوز بضعة الآلاف من الأصوات. وفي ألمانيا، برزت قوى اليمين المتطرف مع الإنتخابات الإقليمية التي عُقدت في مارس الماضي ضمن ثلاث ولايات، وتمخضت عن فوز الحزب اليميني المتطرف البديل من أجل ألمانيا" بنحو 12.5% من الأصوات في ولاية راينلاند بالاتينات، و15% في بادن فورتمبيرغ، و24% في ولاية سكسونيا أنهالت. وبالرغم من أن هذه النتيجة لا تؤهل الحزب للسيطرة على الحكومة في أي من الولايات الثلاث، ولكنه أضحى يحظى بحضور قوي ضمن السلطة التشريعية في هذه الولايات. كما تمثل النتائج الأخيرة أفضل نتيجة يحصل عليها حزب يميني متطرف في أي انتخابات ألمانية منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية، وهو أمر لافت لاسيما وأن هذا الحزب بدأ حياته السياسية في عام 2013 كحزب هامشي. يُضاف إلى ذلك، بروز حزب ألمانيا القومي ونتساءل : ماهي الاسباب التي أدت إلى صعود اليمين أحد أهم الأسباب ، إن قوى اليمين المتطرف ، تمتلك القدرة على تبني خطاب يربط مُجمل تلك العوامل ببعضها البعض، بحيث يتم ربط المشكلات الاقتصادية والمالية وحتى الأخلاقية، التي ظهرت في أوروبا منذ عام 2008، بالنواحي الأمنية والهجرة وتدفق اللاجئين ، مع ترويج هذا التيار إلى أنه لديه حلولاً لمعالجة هذه الأزمات المركبة. المشهد يجعل المرء يتساءل ؛ ما تداعيات هذا التحول ؟ صعود قوى اليمين المتطرف في أوروبا سيترك بصمات عدة على المشهد السياسي والإجتماعي الأوروبي، حيث تتجلى الآثار المباشرة مع اتجاه القوى السياسية التقليدية في بعض الدول الأوروبية لتبني حلولاً وإجراءات متشددة لسحب البساط من تحت أقدام اليمين المتطرف والحد من سيطرته على المزاج العام الأوروبي، وحدث ذلك في الدانمارك مع تبني البرلمان بغالبية ساحقة (تأييد 81 نائباً من أصل 109 حضروا الجلسة)، في يناير 2016، تعديلاً لقانون اللجوء تقدمت به الحكومة يهدف إلى إبعاد المهاجرين ومنعهم من محاولة الوصول إلى هذا البلد، ويتضمن إمكانية مصادرة مقتنيات ثمينة من المهاجرين بهدف استخدامها لتمويل إقامتهم في البلاد قبل البت بطلبات لجوئهم، فضلاً عن بنود أخرى مثيرة للجدل حول ظروف الإقامة وتقليص حقوق اللاجئين الاجتماعية وإطالة المهل المتعلقة بلم شمل العائلات، حتى أن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة اتهمت الدنمارك بتأجيج "الخوف وكره الأجانب لقد شهدت أوروبا العديد من الأحداث التي تؤشر إلى صعود قوى اليمين المتطرف، ويمكن في هذا السياق التمييز ما بين مستويين لصعود اليمين المتطرف في أوروبا، أحدهما على مستوى ممارسات العملية السياسية، فيما يتجلى المستوى الآخر على المستوى الشعبي. خلال السنوات الماضية، صعدت أحزاب اليمين المتطرف في فرنسا بشكل لافت، الأمر الذي يلقي بظلاله على سياسة الاتحاد الأوروبي ومستقبله. ورغم وجود بعض الاختلافات بين هذه الأحزاب، لكن بينها سمات مشتركة أيضا، مثل ، الرغبة في الخروج من الاتحاد الأوروبي، ورفض الهجرة والمهاجرين بشكل قاطع، والعداء للإسلام والمسلمين .. وتنذر ظاهرة االعداء للإسلام م بأزمة مستقبلية كبيرة، لا تؤثر على المسلمين في أوروبا أو خارجها وحدهم، وإنما تؤثر أيضا على حياة الأوروبيين وماذا عن بريطانيا ؟ في بريطانيا، فاز حزب «بريكسيت» بزعامة السياسي الشعبوي (نايجل فاراج،) بنسبة 30% من الأصوات في الاقتراع نفسه. وفي إيطاليا، حقق حزب (الرابطة) اليميني المتطرف الشعبوي، بزعامة نائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني، انتصارا ساحقا، إذ حصل على 34% من الأصوات. وعلاوة على البلدان الثلاثة، شهدت دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وهولندا تصاعد اليمين المتطرف بشكل واضح، وهو ما يعد مؤشراً خطيراً، يطرح تساؤلات جدية، حول ما إذا كانت أوروبا قد دخلت حقبة جديدة عنوانها التطرف اليميني والانكفاء على الداخل. أثبتت ألازمة الأوكرانية الروسية ، أن القارة العجوز ( أوروبا ) تشهد تحولات جذرية في كل مناحي الحياة وأن اليمين المتطرف في صعود مستمر وسيأتي يوم يتبوأ فيه مراكز صنع القرار وسيبادر بطرد المهاجرين بسبب أفكارهم اليمينية المتطرفة والمعادية للمهاجرين وللإسلام والمسلمين الكاتب الصحفى جلال نشوان

البوابة 24