في حضرة الذاكرة... (عيد مبارك )
بقلم: محمد جبر الريفي
قرب قدوم العيد تعود بي الذاكرة الى الازمنة والامكنة القديمة فقبل العيد بيوم او ما يسمى بيوم الوقفة ينتظر الناس سماع اصوات مدفع العيد طلقات متتابعة تسمع في ارجاء المدينة ايذانا بثبوته وبسماعها نقفز نحن اولاد الحارة من الفرح ونندفع في الشوارع والازقة الضيقة نصيح باصواتنا الرفيعة :بكرة العيد بنعيد وبنذبح بقرة السيد والسيد ماله بقرة بنذبح بنته هالشقرة ؛؛....في صباح العيد استيقظ على خطوات ابي وهو يفتح باب البيت الخشبي الكبير ارافقه في تجواله فرحا بملابسي الجديدة السروال والقميص التي حاكته جارتنا ام نعيم الخياطة وكانت غرفتها الصغيرة مليئة بصرر القماش والحذاء الجديد الأسود اللامع التي امضيت وقتا في قياسه فقد كان يحدث صوتا في كل خطوة فاخشى في خطواتي معه ان اتعثر ..في الطريق كنت اسمع ابي وهو يصافح من يقابله بيده الكبيرة الخشنة قائلا :العيد القادم ان شاء الله في البلاد وهو يقصد بذلك تحرير فلسطين من اليهود الكلاب وقد كنا نردد في ذكرى وعد بلفور :سكر اي اغلق الدكان ..سكر يا قليل الدين ..راحت منك فلسطين ..فلسطين بلادنا واليهود كلابنا ..امام قبر جدي اسمع ابي وهو يقرا سورة الفاتحة بصوت متهدج وانفاس حارة وكانما احس في تلك اللحظة بصقيع الموت بينما انا كنت متسمرا بجانبه الاحظ صدوع قبر جدي القديم والاحظ ايضا حشرات النمل الصغيرة الحمراء المتشابكة في صف طويل ...في يوم العيد جبل المنطار الذي يقع في شرق مدينتنا غزة كان يكتظ بالناس من كافة الاعمار اراجيح وباعة وحلقات الدبكة المختلطة بالزغاريد وانغام الشبابة والارغول وحلقة من الدبكة ..بدات باثنين من الشباب ثم بثالث ورابع وقد لمحت على الفور جارنا (ابو صابر) وهو يشبك يده في يد احد الشباب ..كان ابو صابر مكفهرا عابس الوجه كعادته لكنه كان يقفز في الهواء كالفراشة رغم ثقل حدائه الكبير المرقع ..في تلك اللحظة قلت بيني وبين نفسي :لماذا يا ابا صابر لا تبتسم في هذا اليوم ؟لماذا لا تنظر الينا ونحن نتابع حمى رقصة الدبكة بسرور..لماذا لا تنظر الينا بعينين متقدتين بالفرح ؟لكن ابا صابر وكانه سمع ما اهمس به فظل كحاله مكفهرا ومقطبا ....وكل عام وانتم بخير وعيد مبارك على شعبنا ...