حول دعاية بيع أراض في فلسطين :
الدكتور محمد البوجي
بعد انتهاء محاضرتي في إحدى الجامعات التركية ، أعطى عريف اللقاء فرصة للطلاب كي يسألوا الدكتور المحاضر ، من أهم الأسئلة كان السؤال التالي : دكتور هناك من يقول أن الفلسطينيين قد باعوا أرضهم لليهود ،فما صحة ما نسمع ؟
كان ردي ما يلي :
هذا سؤال رائع جدا ومؤلم ، دائما أتوقعه في كل محاضراتي ، أشكرك ابنتي على طرح هذا التساؤل للنقاش ، لا أريد أن أستبق الكلام وأقول عن أسباب أنه سؤال مؤلم :إنها دعاية صهيونية وإعلام صهيوني أمريكي كي يبرر طرد السكان الفلسطينيين من أرضهم وإقامة كيان عسكري أمريكي إوربي على أرض فلسطين ، دعونا نحتكم إلى الأرقام وإلى العقل . قبل الحرب العالمية الأولى كانت فلسطين كلها للفلسطينيين، وكانت الجالية اليهودية تعيش بسلام وأمن واطمئنان في فلسطين كما هو في باقي أرجاء العالم ، تعلمون أن فلسطين أرض الأديان فيها اليهودي والمسيحي والمسلم وغير ذلك ، كلهم يعيشون في وطن واحد اسمه فلسطين ، أثناء الحرب العالمية الاولى منحت بريطانيا بتاريخ 2 نوفمبر 1917 وعد بلفور بإقامة وطن لليهود في فلسطين بجوار الفلسطينيين ، قبلها بعام واحد أي في العام 1916 بما يعرف اتفاق ( سايكس بيكو ) حيث تقاسمت فرنسا وبريطانيا الوطن العربي بعد أن وضعوا حدودا سياسية بين أبناء الشعب العربي الواحد ، وتم توزيع النفوذ بينهما بمباركة روسية وإيطالية ، عمدا أخذت بريطانيا فلسطين ضمن نفوذها ، كان الاحتلال الإنجليزي هو المسيطر بالقوة على كل أراضي فلسطين وهو صاحب القرار بعد الحرب ، رغم اعتراض الفلسطينيين وثورتهم لكن دون جدوى ، بدأ تدفق اليهود إلى فلسطين عن طريق السياحة وزيارة الأماكن الدينية والاشتراك جنودا بالجيش الإنجليزي إلى فلسطين ، وعن طريق التسلل بمعرفة الجيش الإنجليزي ، كان الإنجليز يمنحون اليهود القادمين من أوربا قطع أراض لإقامة مستوطنات عليها ، استمر هذا الحال حتى الحرب العالمية الثانية حيث تدفق اللاجئون من كل الديانات يهود وغير يهود إلى فلسطين واستقبلهم الشعب الفلسطيني في بيوتهم لأنهم مشردون من حرب قاسية ، لكن هؤلاء اللاجئين أخذوا أراض بإذن جيش الاحتلال الإنحليزي وأقاموا عليها مدن وقرى لهم . أما بالنسبة لبيع أراض ، نعم كانت فلسطين جزءا من الشام وكان فيها رجال إقطاع لهم أراض واسعة خاصة رجال أعمال من لبنان ،هؤلاء استطاعوا شراء أراض من بعض المتنفذين الأتراك قبل الحرب العالمية الأولى بورق خاص بدون طابو ،أي أيام الحكم العثماني ، هؤلاء فعلا باعوا أراض لليهود القادمين من أوربا وتم تزوير أوراق طابو خاصة في أراضي مرج ابن عامر وسط فلسطين ، العائلات اللبنانية التي باعت أراض لليهود معروفة بالاسم ، وكل من باع قطعة لليهود معروف بالاسم ، هناك دراسات كثيرة أجريت في الموضوع . لكن نسبة ما كان يملكه اليهود من أراضي فلسطين لا تتجاوز أربعة بالمائة ، منها ثلاثة بالمائة عن طريق الإنجليز . أقول : كان اليهود كغيرهم من سكان العالم يشترون أراض سواء في المغرب والعراق وتركيا وبريطانيا والمانيا وبولندا ... الخ سؤالي : هل من حق أي مواطن اشترى قطعة أرض في دولة ما أن يعلن عليها قيام كيان سياسي مستقل ؟ هل يمكن أن يكون ذلك في بريطانيا ، عائلة روتشلد اليهودية تمتلك ملايين الدونمات في بريطانيا وتتحكم في الاقتصاد البريطاني ، هل يحق لها أن تعلن عن دولة داخل بريطانيا ؟! في النهاية أقول : ليس هناك شعب يبيع بلده بالمطلق ، إنها دعاية صهيونية أمريكية أوربية لإضعاف حق الفلسطينيين في المطالبة بحقهم في العودة إلى ديارهم وإنشاء وطن معترف به ، ولتبرير الأعمال الإجرامية الهمجية التي قامت بها أمريكا وأوربا في تشريد الشعب الفلسطيني من أرضه . أثناء الاحتلال الإسرائيلي للضفة وغزة عام 1967 ، حاولت إسرائيل جاهدة شراء أوراق الطابو التي يمتلكها الفلسطينيون ، لكنهم باؤوا بالفشل ، نجحوا في إجبارنا على التوقيع والتبصيم بكل الأصابع اليدين والقدمين على ورق أبيض فارغ عند تجديد بطاقات الهوية لكل سكان الضفة الفلسطينية وقطاع غزة . ابنتي السائلة يمكن لكم الرجوع إلى دفاتر الطابو التركية والبحث في ذلك ، اتحدى أي باحث أن يجد غير ما قلته هنا . الشعب الفلسطيني باق في أرضه سيقاوم الاحتلال الصهيوني ، وسيعود يوما ما إلى وطنه ، كله بدعمكم أنتم ، ولتعلموا أن أغلبية سكان هذا الكيان هم ليسوا يهودا أصلا ، إنما تهودوا عند وصولهم إلى أرض فلسطين ، الجالية الفارسية المسلمة والجالية الروسية غير المتدينة وجالية الفلاشا المسلمة نموذجا ، بل إن الدفعات الأولى التي جاءت إلى فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى كانت كلها شيوعية لا تؤمن بالأديان ، وطبقت نظام الكيبوتسات الشيوعيه هنا في فلسطين . كانت فلسطين تحت الحماية العثمانية طوال أربعمائة عام قبل قدوم الاحتلال الإنجليزي إلى بلادنا فلسطين . أما قريتنا ، يبنا ، سأكون صريحا معكم ، وخفت أن أكتب هذا في كتابي ، يبنا تاريخ وذاكرة ، خوفا من مشاكل عائلية ، حدث أن أحد وجهاء مدينة غزة طلب من صديقه اليبناوي قطعة أرض في يبنا ، استطاع تدبير عشرة دونمات ، تمت عملية البيع للغزي ، يبدو أنه باعها لتاجر أراض فلسطيني من شمالي يافا ، استيقظ أهالي يبنا ذات صباح وإذا بالصهاينة يضعون الأسلاك الشائكة حول الدونمات العشرة بحماية الجيش الإنجليزي ، وأقيمت مستوطنة عليها ، فقط لم يحدث غير ذلك في قريتنا إطلاقا ، علما أن مساحة يبنا ستون الف دونم ، وهي من أكبر قرى فلسطين .
أقول : إن الكيان الصهيوني هو موقع عسكري أمريكي أوربي متقدم هدفه تدمير الوطن العربي ومنع الوحدة العربية ، ومنع قيام أي نهضة حضارية في أي دولة عربية . وأن ما ترونه من تقدم تكنولوجي في الكيان معظمه من أمريكا وأوربا وليست صناعة أو اختراع صهيوني صرف ، إسرائيل هي ورشات عمل للمخترعات الغربية فقط .
البوابة 24