البوابة 24

البوابة 24

لا شَيءَ يُنْسيني لأَنسى

شعر: عبد الناصر صالح

لي وَرْدَةٌ في لَحْظِكِ الفَتّانِ تَجْلو وَحْدَتي 
وَتَرُدُّ ذاكرةً تَداعَتْ مثلَ صَمْتِ النّايِ
يَجْثو، مُكْرَهاً، في رَقْدَةِ النّسيانِ
لي بَوْحٌ تَكَحَّلَ من بَهائِكِ
ثم أْوْغَلَ في دمي..
 لِيَصوغَ أَرْوِقَةَ القَصيدَةِ
مَنْ يُقاسِمُني جَديدَ الحُلْمِ 
في مرآتيَ المَشْدودةِ الأَبعادِ؟
كَيْ تَصِلَ الرِّسالةُ للمُضَرَّجِ بالمَشاعلِ 
حولَ أَعْمِدةِ الدُّخانِ،
يَرُدُّ كيدَ الموْتِ 
يَجْتلِبُ الحياةَ لِغَيْرِهِ ..
عَدَميّةٌ مَعْزوفةُ الإيثارِ 
           في زَمَنِ التلوُّثِ،      
مَحْضُ فَصْلٍ للرَّمادِ  
يَغوصُ في طُغْيانِهِ     
وَيُعيدُ هًيْكَلةَ الغِيابِ
يُرتّبُ الصّورَ الخَبيئةَ
يَزْدَري الألوان َ
يَخْمِدُها،
دَنَوْتُ،
رَأَيْتُ في أشلائِها عَيْنَيَّ مُطْفَأَتَيْنِ 
ساهمةً تَعاويذي 
وأوراقي مُحاصَرَةً 
كأنْ أَستأنِسُ المَنْفى،
أَجُرُّ ظِلالَهُ نَحْوي 
يُتَرجِمُني السَّرابُ 
أنا أسيرُ روايةِ الأمواجِ
أخرُجُ من تَفاصيلِ الحكايةِ  
مُمْعِناً في رَقْصةِ القِدّيسِ،
أختَصرُ الزَّمانَ إلى حُدود الدَّمعِ 
كي تَلِدَ الغيومُ شُخوصَها 
في ساحةِ الشُّهداءِ 
والمَطَرِ المُسجّى مثلَ أُغنيةٍ 
تَضَوّعَ دمعُها في حفلةِ الصبّارِ 
كمْ آنستُ عَيْنَيْها..
وتَسلّلَتْ في كُوّةِ الكَلماتِ ضِحْكَتُها 
أنا مُتَيّمُ لحْظِها 
وأنا سجينُ مفاتِنِ الفَرَحِ 
التي عَصَفَت به الألغامُ 
والأحزابُ،
والُّلغَةُ المُبَطَّنةُ
      المُقَعّرةُ
      المشوّهَةُ   
      الثقيلةُ
كنتُ أَسْكُنُ شُرْفةَ الحلْمِ التي اخْتَزَنَتْ 
هواءَ البحرِ، 
تَحْضُرني شآبيبُ القداسةِ
 أيْنَما ولَّيْتُ وجهي 
كمْ ضفافٍ سوف تَضْرِبُني أصابِعُها
 وَتَلْجُمُ شَهْوَتي..
كم رصاصٍ قد تسَجّى تحت جِلدي 
ثُمّ قُيّدَ ضدَّ مَجْهولٍ
وكم..
من يُؤنِسُ المَنْفى 
لتكتمِلَ الجَريمةُ في وُضوحِ المَوْتِ
هل مرَّ الغَريبُ على خريفيَ
وارتقى بضميرهِ المثقوبِ؟
لم أشْهَد نهايَتَهُ
ولم أتَسَلَّق الجدرانَ كي أَحْظى بساريةٍ
لقاءَ قَصيدةٍ !
نَسِيَ الفَرَزدْقُ أو تَناسى 
حين أغْرَقَ في التَّفاؤلِ
من يَجيءُ بِمِثْلِهِمْ؟
صَبَأَ الشُّيوخُ 
فهل أولئكَ إخوتي؟
صَبَأَ الشُّيوخُ وأَحْرَقوا خِيَمَ القبيلةِ 
لم تَزَلْ لُغَتي يَقيني.. 
من يَجيءُ بِمِثْلِهِمْ؟
كلاّ
سأُعْلِنُ في القَبائِلِ 
لَنْ نَجيءَ بِمِثْلِهِمْ 
نَجْتَرُّ حاضِرَنا المُغَفّلَ ..
في احترابِ الأخوَةِ الأعداءِ
نعلنُ مَوْتَنا ونَجرُّ أذيالَ الهزيمة،
مُغْرَمينَ بداءِ خَيْبَتِنا
فهل سَقَطَتْ مَرابِعُنا
على مرأى مواضينا؟
وهل تتآلفُ الفوضى لِتَحْتَجِبَ الحقيقةُ
مثلَ أشرعةٍ سَتَثْخَنُ بالضَّياعِ
وتَخْذِلُ الشطآنَ؟
هل كّتَبَتْ وصيَّتها المدائنُ
أَوْغَلَتْ بِدِمائِها..
كم تلزمُ الفَوْضى لِتَحْتَجِبَ الحقيقةُ
أَوْ تُعزِّزَ وَقْعَها العَدَمِيَّ؟ 
أَرَّقَني التأَمُّلُ
والضَّبابُ يُنَظّمُ الفَوْضى 
ليكْتَسِبَ الرِّهانْ..
كم مَرّةً سأصُدُّهُ
كم مرّةً أتأمّلُ الخَطْوَ الوئيدَ
يدقُّ بابَ الكَرْمِ؟
حيثُ أُنَسِّقُ الألوانَ
يَتّخِذُ النّدى شكلَ الحنينِ
أرتّبُ الذكرى بِرائحةِ المساءِ
وضَوْء قِنديلٍ سيلتَقطُ العنانْ..
أَمْضي وَيَلْفَحُني غَدٌ
مُتَزَمّلٌ بعباءةِ التّرحالِ
والمَنفى الذي انْسَكَبَتْ شرارَتُهُ 
بِحُرقَةِ وَجْدِها المَحْموم في دَرْبي 
ليلسَعَني عَناءُ الفَقْدِ
لا وقتٌ أُسَرُّ بِهِ..
لم أَعرِفِ الحَربَ/
انكَسَرْتُ على مَمالِكِها 
وكانَ العُمْرُ وَرديّاً
بَسيطاً في غِوايَتِهِ
كأَنْ يَرْوي الحقولَ ويُرْضِعَ الذّكرى
فهل أستلُّ قافيَتي
أُشمِّرُ عن يراعٍ قد توشَّحَ بالنَّضارةِ
هل أرى غَيْري
لأُسْنِدَ قامةَ الأيّامِ
أَرْفُلُها بزَهْرِ ربيعِنا المَسلوبِ؟
أسْرَحُ  في المدائن نحوَ ناصيةِ الجِبالِ
أُعلّلُ الوَعْدَ المُؤَجَّلَ إِنْ تأخَّرَ
أحتَمي بعقيدةٍ مُثْلى
                 ليأتيني اليَقينُ،
ويَسْتفيقُ العمرُ في نَبْعِ الأجنَّةِ
هل أرى نفسي، إذاً،
كجموحِ أُغنيةٍ تَمرَّدَ لَحْنُها

البوابة 24