بقلم: عمر خلوصي بسيسو
"شيرين أبو عاقلة" ما أجمل حضورك ... ما أصعب وداعك... وما أطهر رحيلك.
وما أبلغ قولك: "اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الناس، ليس سهلاً ربما، أن أغيّر الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال صوتهم إلى العالم ... وقولك: "بعض الغياب أقوى من الحضور"
ما أفجع غيابك يا شيرين.
كان صوتك صرخة وطن وشعب، وكان دورك معبراً عن أصوات الضحايا، وكنت جزءاً من الرواية، اغتالوك كراوية، لكن القصة التي كتبتيها بدمك تستمر أحداثها.
حرموك من حقك في الحياة، ثم حاولوا حرمانك من حقك في أن تُشيعين بإنسانية وكرامة، لكن أبناء شعبك واجهوا برابرة هذا العصر، وودعوك بمسيرة هي الأطول في التاريخ الفلسطيني وامتدت لأكثر من 75 كيلومتراً من جنين إلى نابلس إلى رام الله وبيت حنينا والقدس مدينة الأنبياء.
أحداث جنازتك كانت الأكثر تعبيراً عن وحشية وعنصرية "دولة الأبرتهايد"، وتحولت إلى رسالة جمعت العالم في التنديد بوحشية برابرة العصر وهمجية كيان الاحتلال والقتل والعدوان، ووقف الكون احتراماً لدورك وحرفيتك.
تضحيتك يا شيرين وحدت الفلسطينيين، بكافة مساجدهم وكنائسهم وطوائفهم وفئاتهم خلف جسدك المُسجى، حيث سالت الدموع أنهاراً تُنذر بطوفان، يُغرق دولة "قانون الغاب" بعد ما فعله جنودها في أرض الرسالات ومسارات الأنبياء التي سلكت دروبها منذ نعومة أظفارك.
وحقاً كان لوفاء "قناة الجزيرة" لدمك المسفوك قهراً دوراً في كشف كل هذا، سيبقى ارثك يا شيرين ولغتك المهنية ، ونبرتك الهادئة الملتزمة بقدسية الكلمة وشغف البحث عن الحقيقة ورصد الأحداث ورواية تفاصيلها، نبراسا لأجيال من الصحافيين الحريصين على انسانيتهم ووعيهم، وحفظ ذاكرة أوطانهم وتمكين هوياتهم.
موتك يا شيرين كان الأكثر تعبيرأ عن خوف دولة الاحتلال بقيادتها وجيشها وشرطتها من شهود الحقيقة ومن الكلمة والصورة والصحافة والإعلام.
ننعاك يا أيقونة الصحافة العالمية والعربية والفلسطينية، وياعروس الأرض المقدسة، اغتيالك يا شيرين َكان حلقة من سلسلة جرائم القتل المدبر والمقصود، وجريمة كاملة الأركان، واستهداف منهجي متعمد، غايته تغييب شهود الحقيقة وصوتها ورواتها، لكن الأدلة البصرية المصورة باقية ومحفوظة، وشهادات شهود العيان ماثلة، ومحرزات القضية حاضرة وكلها تشير إلى القاتل وكل من يقفقون خلفه ومن أصدروا له الأوامر.
نعاهدك يا شيرين الوفاء لدمك وحفظ تراثك وحماية حقك بتحقيق قانوني دولي شامل ومستقل ونزيه وشفاف وسريع بقيادة المحكمة الجنائية الدولية ومشاركة زملائك ممثلي اتحاد الصحافيين العالمي وممثلي الهيئة الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، والاتحادات والنقابات الحقوقية والقانونية الدولية الحريصة على تفعيل القوانين الدولية وفرض العدالة العالمية.
لقد كشفت جريمة اغتيالك يا شيرين، الحقيقة الهمجية الفاشية لدولة الاحتلال والأبرتهايد، وعرت سياسات ومواقف الدول "حماة القتلة ومانعة المساءلة وضامنة إفلاتهم من العقاب، كما فضحت مشاهد الاعتداء الوحشي على نعشك وتابوت جثمانك ومشيعيك، وعلى بيت عزائك، وجه إسرائيل الهمجي العنصري ومساعيها لتغييب الحقيقة.
نعاهدك، يا أبنة القدس وبيت لحم وبيت حنينا وجنين ونابلس ورام الله وغزة وكل فلسطين، بأن تبقى قضيتك حية ونعدك بأوسع تحرك لجلب قتلتك إلى العدالة وضمان عقابهم، رغم تاريخ إسرائيل الطويل في الافلات من العقاب.
