بقلم أ. نور أبو مغصيب
تنتهج الصين في سياساتها الخارجية مبادىء مستقلة، هدفها حماية استقلال الصين وسيادتها وسلامة أراضيها، وترى أن جميع النزاعات يمكن أن تُحل بطرق سلمية، عبر المشاورات وليس باللجوء الى القوة أو التهديد باستخدامها. فالصين تتبع سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول بأية حجة، لذلك نجد أن الصين تستخدم الدبلوماسية الناعمة التي تقوم على الاقناع بدلا من الاكراه، وتعتمد على أساليب ناعمة كالثقافة، والإعلام والتعليم وغيرها.
فيما يتعلق بالحرب الروسية على أوكرانيا، اتخذت الصين موقفا حياديا على الصعيد العسكري ولكن تتفهم الضرورات الأمنية التي تسعى لها روسيا ولذلك تعتبر سياسيا داعمه للموقف الروسي، واستمر موقفها حتى بداية الحرب، لكن الصين الآن وبعد هذه الأحداث المتسارعة ترغب في انهاء الحرب والعودة الى طاولة المفاوضات. بالمقابل، قبل الحرب على أوكرانيا كانت روسيا تنظر الى الصين على أنها وسيلة فعالة لتعزيز مكانتها اقليميا ودوليا، أما بعد الحرب فأصبحت ترى أن الصين هي حبل النجاة الذي سيخلصها من تبعات الحرب، من حيث تخفيف الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحصار والعقوبات وتكاليف الحرب.
تُعرف الصين باتباعها لأسلوب الحياد في كثير من القضايا، فهي تسعى دوما لأن تكون في المنطقة الرمادية حفاظا على مصالحها وأمنها واستقرارها، فالصين لا تريد انهيار روسيا وهزبمتها، وبنفس الوقت تريد الحفاظ على علاقاتها الودية مع الولايات المتحدة وأوروبا. لذلك، وعلى الرغم من اتهام الصين لواشنطن بأنها هي الفاعل الأساسي في اشعال فتيلة الحرب، لكنها اكتفت بعد ذلك بالامتناع عن التصويت في مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة على إدانة الهجوم الروسي لأوكرانيا، لذلك كان رأي الكثير بأن على الصين أن تكون مواقفها أقوى تجاه هذه الأزمة خصوصا بعد اتهام الولايات المتحدة الأمريكية للصين بأنها منحازة لروسيا، لكن الصين أمسكت العصا من المنتصف وحافظت على سياسة الحياد ورفض العقوبات. والتزمت في الوقت نفسه بعدم تقديم أي دعم عسكري لروسيا استجابة للتحذير الأمريكي.
إن إدراك الصين بأن الولايات المتحدة الأمريكية تريد القضاء على روسيا والصين على حد سواء، ومخاوفها بأن تكون هي الدولة التالية بعد روسيا جعلها تحاول جاهدة تجنب العواقب الوخيمة التي قد تحدث لها إذا تدهورت الأوضاع وحدثت مواجهة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، فالصين تعي تماما أن خسارة روسيا سيمهد لحصار الصين في المستقبل ووقوف الصين مع روسيا عسكريا يشكل مغامرة بل مخاطرو كبرى ستؤدي الى خسائر تجارية للصين. فهي لا تؤيد سياسة القطب الواحد عالميا، ولا تريد أي مجابهة عسكرية مع الولايات المتحدة، بل تسعى إلى تنافس على الصعيد الاقتصادي من حيث التنافس والصراع على الأسواق العالمية. ولكنها مع ذلك لن تتوان عن فتح جبهة عسكرية مع الولايات المتحدة اذا تدخلت بشكل أكبر في القضية التايوانية التي تدخل ضمن الأمن القومي الصيني، كما أنها ستدافع عن ممراتها المحلية والإقليمية البحرية.
أما بالنسية لروسيا فهي لا تريد من الصين الوقوف الى جانبها عسكريا بل تريد مساندتها اقتصاديا على اعتبار أنهما دولتين بينهما علاقات قوية تزايدت في عهد بوتين في عام 2001م. الصين في موقف لا تحسد عليه، فتربطها بروسيا علاقات قوية في كثير من المجالات، فمن مصلحة الصين التعاون مع روسيا وتنفيذ الاتفاقيات وأهمها اتفاقية توريد الغاز الروسي الى الصين. للصين أيضا مصالح كبرى مع أوكرانيا، فهي تعمل على تسهيل خدمة السكك الحديدية السريعة بين الصين وأوروبا، وتشكل صادرات الذرة الأوكرانية نحو 30% من واردات الذرة الصينية، علاوة على ذلك تعد الصين أكبر مستورد للشعير الأوكراني وثاني أكبر مستورد للقمح الأوكراني، لذلك تتعامل الصين مع الطرفين بذكاء وبخطوات محسوبة تماما. فمن حق الصين تحصين موقفها والحفاظ على سلامة أراضيها، وأن تكون يقظة دوما لتجنب أي صراع يعيق نهضتها.