دكاكين أيام زمان

محمد جبر الريفي

لم يعد يرى ابو احمد في تجواله اليومي في الشوارع الدكاكين الصغيرة . حيث تكاد رؤيتها تختفي من الحياة اليومية. وفي وقت يشهد فيه الناس إقبالا كبيرا على شراء الحاجات الاستهلاكية المختلفة من محلات السوبر ماركت المليئة بالسلع التركية والمصرية والإسرائيلية. والمحلية.

حيث يوجد فيها كل ما يحتاجه الإنسان من حاجات من الشبس حتى ربطة. الخبز ... دكاكين ايام زمان كانت صغيرة و.تجدها في كل مكان في الشوارع الترابية وفي الأزقة الضيقة. وما أن تنقضي صلاة العشاء حتى يقفل أصحابها أبوابها الخشبية بمفاتيح كبيرة ويعودون إلى بيوتهم .. دكاكين ايام زمان الصغيرة كانت تباع فيها مكعبات الحلوى ( الكرملة) البيضاء والحمراء والصفراء التي يكثر عليها الطلب من قبل الأطفال وكذلك صندوق التوفي الكرتوني الأصفر ألمرسوم عليه عصافير فقد كان يوضع أيضا على الرف الخشبي ولكن في مكان بارز في الدكان لكثرة الطلب عليه حيث كان يحمله الناس في أياديهم مثل القرشلة في زيارتهم بقصد التهنئة... دكاكين ايام زمزن صغيرة. مليئة بالبركة بعيدة عن الجشع والاستغلال وارتفاع الأسعار لذلك كانت دائماً مليئة بالزبائن. من. كل. الأعمار حيث يجد فيها الإنسان حاجته الضرورية من الرز والسكر والملح حتى الكاز الأبيض . .... في الشارع قريبا من بيته كان يمر ابو احمد كل يوم من أمام دكان العم ر:شدى الصغيرة المعروفة. للناس خاصة تلاميذ المدارس الذين يمرون من أمامها في الصباح. وفي عودتهم يشترون منها ما ترغبه نفوسهم من انواع الشيكولاته والقضامة وبذر البطيخ وكان العم رشدي صاحب الدكان الذي يدعو الله دائما بالرزق الحلال يعرفهم.واحدا واحدا فهم من أبناء الشارع والازقة القريبة .. بعد عصر كل يوم خاصة في فصل الصيف. حيث النسمات. الباردة. تهب في الشارع كان العم رشدي يرش الأرض أمام الدكان بالماء..ويأتي بكراسي القش الصغيرة وكان الشيخ مصطفى أبو كمال وهو رجل هاديء وقور ويتابع ما تبثه. الإذاعات من أخبار سياسية. اول القادمين فيستقبله العم رشدي مرحبا بكلمة استاذ لكونه صاحب كتاب صغير في البيت يعلم به اولاد المنطقة الصغار بعد ذلك يسأله عن الأخبار التي سمعها في الراديو من محطة. صوت العرب وفي أجوبته ما؛ تدلل على تعاطفه مع. الجزائر مثل باقي الناس التي كانت في تلك الأيام تخوض حرب التحرير وكانت إذاعة صوت العرب تغطي أخبارها اول بأول وكات أكثر ما يثير حماسه تعليق أحمد سعيد ..يتوالى بعد ذلك وصول الاصدقاء إلى الدكان وكان أكثرهم دواما على حضور جلسة. المساء الحاج يوسف . ذات مرة قال الحاج يوسف إن دورية عسكرية بريطانية اوقفته مع اثنين من العمال عند جسر المقدمة شرق مدينة غزة وطلبت منهم رفع أيديهم للتفتيش؛ وحين لم تعثر على سلاح في حوزتهم تركتهم رافعين الأيدي ومشت وهكذا ظلوا أكثر من ساعة وهم على هذه الحالة حتى مرت عربة جيب عسكرية نزل منها ضابط كبير واشار بيده بالانصراق قائلا لهم باللغة الإنجليزية كلمة (فكن) اي انصرف ثم اتبعها بالعربية " امشو من هون" وما أن انتهى الحاج :يوسف من ذكر هذه الحادثة حتى فرط الجميع من في الجلسة بالضحك... ...حينما يمضي فصل الصيف ويأتي فصل الخريف برياحه الباردة. كان الشيخ مصطفى ينقطع عن حضور الجلسة التي يتوسطها الحاج يوسف كثير الكلام وقد كان ارتفاع أذان صوت المغرب ايذانا. بأنتهائها و كان يقوم عادة. برفع الأذان ابو زهر الذي كان يجلس في بعض المرات هو الآخر أمام الدكان وكانت تربطه بحامد الملقب بالحنكور لكثرة كلامه عن أحوال الناس علاقة. قوية لا تخلو من المزاح. فما. ان يلتقيا سويا أمام الدكان حتى تعم الجلسة البهجة والسرور وعند ذلك يطلب الحاج يوسف من العم رشدي سيجارة روزمان ثم يتبعها بزجاجة كولا يدلقها في فمه دفعة واحدة للتخلص من انتفاخ القولون . هكذا ظلت دكان العم رشدي َ رغم صغرها في تلك الأيام الخمسينات والستينات من القرن الماضي َمعلما تجاريا واجتماعيا بارزا في شارع يافا حتى موظفي البلدية كانوا يجدون الترحاب من العم رشدي يحتسون الشاي أو القهوة ثم يغادرون ... عمر طويل قضاه العم رشدي في الدكان الصغير وقد جلبت له المحبة والاحترام بين الناس وحين توفاه الله حزن الجميع. ممن. يعرفونه على رحيله. مرت جنازته. الكبيرة من أمام الدكان الصغير الذي طالما جلس أمامه وبعد فترة أغلقها أبناؤه نهائيا لكنها بقت في الذاكرة مكانا جميلا كان يجتمع. فيه أصدقاء رحلوا جميعا بعد أن عاشوا في ذلك الزمن الجميل... ؛ ر

البوابة 24