ما الحل ، لحقن دماء سكان قطاع غزة في المستقبل؟

رهام عودة
رهام عودة

بقلم : رهام عودة 

مع انتهاء  جولة التصعيد القصيرة  التي استمرت لمدة 3 أيام بدءً  من تاريخ 5\8\2022 ،   بين حركة الجهاد الإسلامي و الجيش الإسرائيلي ، و التي أطلق عليها الاحتلال الإسرائيلي  مسمى عملية " الفجر الصادق "  ، و أدت  للأسف إلي  سقوط عدد كبير من الشهداء و الجرحى  في صفوف الشعب الفلسطيني بقطاع غزة ،  إضافة الي  التسبب بحالة  كبيرة من الرعب  و الذعر   لأطفال غزة  بسبب  صوت القصف الإسرائيلي ،  و سببت أيضاً  حالة من القلق و التوتر لمعظم سكان القطاع ، جراء الخوف  الشديد على حياتهم وحياة أطفالهم في ظل  انقطاع الكهرباء ، و الحر الشديد ،  و استرجاع  الذكريات الأليمة  لتصعيد مايو  2021  ، الذي قضى على  أهم معالم شوارع  قطاع غزة الرئيسية ،  ودمر أبراج سكنية بأكملها ،  وشرد أعداد كبيرة من العائلات.  
تساءل البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هل كُتب القتال على سكان قطاع غزة كل  فترة زمنية و أخرى ، فحتى   الآن  لم يتم إعادة إعمار  عدد كبير من البيوت التي تدمرت خلال  تصعيد مايو 2021  ، ومازال أصحابها  يقطنون بشقق مؤقته بالايجار، فما بال أن يتورط القطاع  بجولة جديدة من التصعيد العسكري قبل ترميم جروح تصعيد مايو 2021. 
للرد على هذا التساؤل لابد من التذكير أولاً ،  أن هذه الجولة الجديدة  من القتال بين  حركة الجهاد الاسلامي و الاحتلال الاسرائيلي،  لم تبدأها الجهاد الاسلامي ،  بل فُرضت  عليها من قبل الجيش الإسرائيلي  الذي قام بضربة استباقية  ، استهدفت  القادة العسكريين  للجهاد الإسلامي ،  مما أدى ذلك لرد الجهاد الإسلامي على اسرائيل ، عبر  إطلاق الصواريخ من غزة للانتقام و الثأر لاستشهاد أبرز قادة الجهاد الإسلامي العسكريين ، و ذلك تحت مسمى معركة وحدة الساحات ، كرسالة للاحتلال الإسرائيلي أن الهم الوطني واحد ، و لا يمكن الفصل بين ما يحدث بالضفة الغربية من اعتقالات إسرائيلية ضد المقاومين الفلسطينيين ، وما يحدث  في  غزة من مقاومة مسلحة ضد  الجيش الإسرائيلي. 
لذا معظم المواطنوان الفلسطينيون  يعلمون جيداً ،  أن إسرائيل هي من بدأت الحرب ، و الهجوم على القطاع،  و ليس أي فصيل فلسطيني ، وهذا ما جعل  عدد كبير من  سكان القطاع  يتعاطفون مع  حركة  الجهاد الإسلامي التي شعرت بألم الغدر الإسرائيلي. 
لكن ما أريد أن أطرحه هنا  ، هو موضوع أخر،  لا يتعلق بمن بدء المعركة أم لا ؟   أو من فاز بالمعركة أم لا ؟
ما أريد أن أطرحه هنا في هذا المقال ، هو  ضرورة البحث عن حلول  جذرية  لسكان قطاع غزة ، تضمن لهم  العيش بكرامة دون سفك دمائهم و استشهاد أطفالهم و إصابة نسائهم و شيوخهم  بجراح الحرب ، و دمار منازلهم و سبل عيشهم. 
حيث يجب التعامل مع قطاع غزة من وجهة نظر أخرى ،  ليست عسكرية و لا حتى انسانية ، يجب أن يتم التعامل مع قطاع غزة،  و سكانه كجزء من الحل النهائي للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي،  و كشعب يستحق الحياة ، يتم توظيفه  لبناء الدولة الفلسطينية  المستقبلية على حدود  1967 ، و ليس التعامل معه فقط  كمجرد أدة  لإدارة  الصراع و المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي  ، أو قربان للحروب التي يتم شنها  من حين لأخر.  
ولإخراج  قطاع غزة و سكانه من قوقعة الحروب و الدمار ، لابد من اعتماد استراتجية وطنية عملية  لإنهاء الانقسام الفلسطيني، و التعامل مع سكان قطاع غزة بصفتهم شركاء في بناء الوطن مع إخوانهم  في الضفة الغربية و القدس ، و  ليس بصفتهم محكومين يتلقون مساعدات انسانية من حين لأخر ، أو موظفين عاطلين عن العمل يتلقون رواتبهم من السلطة الفلسطينية  كالتزام اداري من  السلطة تجاهم . 
يجب أن يتم أيضا التخلص من روح تضخيم الذات و القدرات الفلسطينية عند  بعض الفصائل الفلسطينية ، و العمل على تقييم  ذاتي  للفصائل الفلسطينية لمعرفة نقاط الضعف و القوة لديهم ،  دون الانفصال عن الواقع الشعبي،  و دون  استخدام لغة الشعارات و الوعود الرنانة ، و دون  أيضاً توريط سكان قطاع غزة في  حروب مدمرة أكبر من طاقتهم  البشرية ، تحت  أوهام البطولة  الخيالية المذكورة في قصص وروايات العصور الوسطى .
إن سكان قطاع غزة ،هم  في النهاية بشر عاديين ،وليسوا أنبياء أصحاب معجزات ، أو ربورتات ألية   يتم التحكم بها  عن  بعد ، فهم بشر لهم طاقة تحمل محدودة  للصمود في ظل  هذه الحروب المدمرة التي لا تقوى عليها الجبال ،  والتي بالتأكيد ستغير في المستقبل من الجينات النفسيه للأجيال القادمة من سكان قطاع غزة ، فنحن  بكل بساطه لا نريد أن يتحول قطاع غزة في المستقبل ،  لمصحة للأمراض النفسية  و العقلية  بسبب  سوء تقدير قيادة الفصائل الفلسطينية لمدى قدرة تحمل النساء و الأطفال و الشباب و الكهول و الشيوخ في القطاع ، لويلات الحروب و الدمار و ألام  فقدان الأحباب و الأعزاء. 
 لابد  النظر إلي سكان قطاع غزة كمدنيين بالدرجة الأولى ، و كبشر من دم و لحم مثلهم مثل أي مواطن فلسطيني في المحافظات الأخرى بالوطن ، و ليس كأناس  مطلوب منهم وحدهم دفع  ضريبة الوطن  من دمهم ،  ومن دم أبناءهم ،  للدفاع عن كل الوطن لوحدهم ، ونيابة عن الجميع!
وأخيرا ، يمكن القول أن  الحل النهائي الذي يمكن اعتماده لحقن دماء شعب قطاع غزة في المستقبل،  و لابعاد شبح الحرب و الموت  مرة أخرى عن القطاع ، هو العمل على تبني طرق حل الصراع السلمية ، عبر استخدام أدوات  المقاومة السلمية و القانون الدولي و  المفاوضات الشفافة  و المهنية و التي تضمن للشعب الفلسطيني الاطلاع على أسباب فشل المفاوضين الفلسطينين في الماضي،  و الاستفادة من الدروس السابقة  للوصول  لحل سلمي نهائي للقضية الفلسطينية ،  مع إتاحة المجال للشعب الفلسطيني بأن يكون  شاهدا على ما يحدث داخل أروقة المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية ، لتقييم أداء  فريق المفاوضات الفلسطينية ،  ومدى مهنيتهم  في التفاوض ،  بدلا من التسبب بإحباط الشعب الفلسطيني في كل مرة عبر نشر أخبار سلبية عن فشل مفاوضات السلام ، و عدم الوصول لحل نهائي للصراع دون  التسبب بخسائر بشرية ، أم مادية في صفوف المدنيين. 
الحل هو  أيضاً ،  الترويج  لثقافة الأمل  و البناء و التطوير الإيجابي ،  و عدم الترويج لأدوات الهدم و الدمار، والصراعات الداخلية و عدم بث روح الفتنة و الشقاق بين أبناء الوطن الواحد.
 الحل هو السماح بكل بساطه للشعب الفلسطيني،   بأن يمارس بكل حرية حقه الديمقراطي لانتخاب قادة الأمل ، الذين يستطيعون  طرح حلول عملية و ذكية لمشاكل قطاع غزة الانسانية و الاجتماعية و الاقتصادية و الصحية ، و الذين يستطيعون   مد يد المساعدة لشعبهم ،  لكي يكونوا جزءً  أساسياً  من عملية بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية الموحدة ، بدلا من إقحام سكان القطاع  في أتون الصراعات الداخلية و الحروب المدمرة. 
الحل هو أن نعيش من أجل الوطن لنبنيه حجرا حجرا،  وأن لا نستسلم للموت،  كقربان يٌقدم في كل مرة على مذبح الحرب.  

البوابة 24