.بقلم:محمد جبر الريفي
في صباح ذلك اليوم الحار الرطب الذي كان أول عهدي بالغربة القاسية عن الوطن التي طالت ثلاثين عاما متواصلة حشرت نفسي مع ضجيج المسافرين بالقطار إلى القاهرة وأخذت أتطلع بين الحين والآخر إلى حقيبتي الجلدية الكبيرة التي وضعتها على الرف فوق مقعدي خوفا من لصوص القطارات ..كنت اجلس قرب النافذة وانا مرتبك وفي منتصف النهار كان القطار قد قطع صحراء سيناء ، رحت انظر إلى قناة السويس ،حدقت في مياهها الزرقاء الصافية وتمنيت لو ابلل جسدي المتعب من عناء السفر بتلك المياه.. يقترب القطار من القاهرة وفي فندق فلسطين تمددت على السرير باسترخاء، عيناي تحملقان في السقف ،كنت لوحدي فقد نهض كل واحد من المقيمين في الغرفة من فراشه واشعل سيجارته وخرج ولكن في تلك اللحظة غير بعيد عني كان صوت الترام فنظرت من نافذة الغرفة فلم آر سوى حركتة ولا اسمع غير ضجيجه ،دقات اجراسه كانت بالفعل تقرع أذني ،تجذبني. .سرعان ما ارتديت ملابسي ونزلت ..صعدت إليه وجلست قبالة امرأة مكتنزة ،ساقاها بيضاوان كالثلج، ظللت أمعن النظر الى وجهها الجميل الأبيض العريض فقد كان وجه المرأة بشكله السافر دون غطاء غريبا علي حيث اعتدت أن أرى النساء في غزة محجبات أو يتوارى وجوههن خلف قناع أو ما يسمى في حواري غزة القديمة بغطاراس ، كان الترام مزدحما ورائحة العرق عنيفة وقبل أن أسمع صوتها الناعم باللهجة المصرية الخفيفة الواضحة من بين الأصوات الكثيرة أدركت أن مفتش التذاكر في الترام أخذ يقترب مني، يرمقني بحدة ،يمضي الترام في ميدان العتبة ثم شارع الجيش لكن مفتش التذاكر الذي كان يدور بين الركاب كالمحموم كان بين الفينة والآخرى ينظر نحوي ،كانت تقودني رغبة شديدة في أن اتفرج في ذلك اليوم على كل شيء في القاهرة وفي المكان القريب من مبنى جامعة الدول العربية وفندق هيلتون وكوبري الجامعة لامست صفحة وجهي هبات خفيفة من النسيم ،لقد انعشت وجهي هذه الهبات وحين أدركت وجودي في المكان خطوت مقتربا أكثر إلى النيل ..لقد أبصرت مياهه العذبة تمضي بيسر محملة بالخير ..