البوابة 24

البوابة 24

حسابات السياسة وأوهام التطبيع مع الاحتلال

بقلم جلال نشوان

باءت كل محاولات النظام الرسمي العربي ، التطبيع مع دولة الاحتلال بالفشل الذريع لعدة أسباب منها: أن القضية الفلسطينية متجذرة في الوجدان الشعبي العربي ، مهما كانت حسابات السياسة ، والتذرع بالتهديد الإيراني ، فإن تلك المحاولات لا تنطلي على الجماهير العربية التي نمت وترعرعت على حب فلسطين والوقوف إلى جانب شعبها الذي يعاني الأمرين من ويلات الإحتلال السبب الآخر أن الأيديولوجية الصهيونية البشعة ، تضع في أجندتها ، مقولة شهيرة ( أن العربي الجيد هو العربي الميت ) أيها السادة الافاضل: لقد بدأ مشوار التطبيع العربي مع دولة الاحتلال ، نهاية سبعينيات القرن الماضي، لكنه ظل فاترا، حتى عام 2020، وفيه التحقت 4 دول بقطار التطبيع، وصل بعضها إلى حد التحالف. وفي حين ظل التطبيع المصري والأردني في أضيق الحدود تهيمن عليه قضايا اقتصادية وأمنية تفرضها الجغرافيا غالبا، وصل حد التحالف بين بعض الأنظمة ودولة الإحتلال ورغم توقيع اتفاقية كامب ديفيد رفضت النقابات وأغلب الأحزاب المصرية كل أشكال التطبيع ...

ويحضرني هنا أن قام شباب مصريون بالنزول إلى الشارع من. هواة اليوتيوب ، بعمل لقاءات ميدانية ،على سبيل التندر ( الكاميرا الخفية ) ، بالإساءة. لفلسطين ، لكنهم تعرضوا للإهانة والضرب من قبل الذين قابلوهم وكذلك في اليمن وباقي الأقطار العربية وفي الحقيقة: هناك من الأنظمة العربية من طبع سراً لسنوات، لكنه وجد الفرصة للخروج إلى العلن أو التذرع بالتهديد الإيراني كما حدث في اتفاق ابراهام ، الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة ترامب الصهيوني ورغم احتفاء أنظمة التطبيع باتفاقياتها، فإن وزارة الشؤون الاستراتيجية الصهيونية ، قالت في أكتوبر/تشرين الأول 2020، إن الخطاب العربي على مواقع التواصل الاجتماعي (90 بالمئة) رافض لاتفاقيات التطبيع مع الأنظمة المطبعة وهنا يداهمنا السؤال : كيف للمملكة المغربية التي تبعد ٱلاف الكيلو مترات وفي أقصى الغرب أن تطبع مع دولة الاحتلال، مقابل اعتراف واشنطن بسيادة الرباط على إقليم الصحراء، ؟ !!!!!

ومع ذلك جوبه التطبيع مع دولة الاحتلال بالرفض الشعبي المغربي الجزائر الحبيبة ، قلب الأمة النابض ، بقيت تحمل لواء الشرف والعزة والكرامة والحرية ، وادانت كل المطبعين واعتبرته طعنة في خاصرة القضية الفلسطينية وعلى الذين طبعوا أن يغادروا هذا المربع ، ورغم اتفاقيات ابراهام وتحالفات الدول المطبعة مع دولة الاحتلال، الا أن كل ذلك لم يخترق الوعي العربي وبقيت الجماهير العربية تنبض بحب فلسطين وقضيتها ومن المؤلم نقول أن التطبيع الإماراتي أخذ منحنى مختلفا بشموله أغلب القطاعات ومحاولة ترويجه شعبيا، وحتى دينيا عبر دعاة يسوقونه "شرعيا ، حيث أن تطبيع بعض الأنظمة المطبعة ، لم يتوقف عند المستويات الرسمية أو الاقتصادية والأمنية الضيقة، بل تجاوز ذلك إلى مستويات كسرت "الخطوط الحمراء في العلاقة مع المحتل، ووصلت العلاقة حد التعاقد مع شركات لاستيراد منتجات مصدرها مستوطنات مقامة على أراضي محتلة عام 1967، يعتبرها القانون الدولي غير شرعية، كما زار مطبعون دولة الاحتلال وتضاحكوا مع أصدقائهم الصهاينة وزاروا كُنسا يهودية في المستوطنات.، ووفق مقاطع مصورة متداولة، جرى الزج ببراءة أطفال إماراتيين في أتون حفلة سياسية لا تعنيهم. كما خرج مطبعون بفيديوهات يشيدون فيها بدولة الإحتلال ويهنئونها بيوم استقلالها، وهو اليوم الذي يحيي فيه شعبنا الفلسطيني ذكرى النكبة (عام 1948). لقد طال التطبيع جميع القطاعات السياسية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية، في بعض الدول ووقعت اتفاقيات لتسيير رحلات جوية وإعفاء من التأشيرات، وفي مجالات لاستثمار والعلوم والتكنولوجيا، والضرائب وغيرها. ووقعت اتفاقية تقضي ببيع 50 بالمئة من أسهم فريق كرة القدم (بيتار يروشاليم) أو (بيتار القدس) لرجل أعمال من العائلات العربية الحاكمة كما جرت زيارات متبادلة لشخصيات بمستويات مختلفة، كان آخرها زيار السفير الإماراتي في دولة الإحتلال ( محمد آل خاجة) ، للزعيم الروحي لحركة "شاس" الدينية، الحاخام شلومو كوهين، في مدينة القدس الفلسطينية المحتلة، وفي 12 مارس 2021، أعلنت الإمارات تأسيس صندوق لدعم الاستثمار في دولة الإحتلال بقيمة 10 مليارات دولار.

وخلال العدوان الصهيوني الوحشي على الشعب الفلسطيني خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين، جرى توقيع اتفاقيات في مجالات: الذكاء الاصطناعي وحلول البيانات الضخمة، الغاز، تداول الأوراق المالية وإطلاق منصة إعلامية عربية ، عبرية لتشجيع الاستثمار والسياحة وكذلك جرى الاتفاق على إطلاق برامج لتبادل البعثات الطلابية في مجال التعليم، والإعلان عن فتح مكتب اقتصادي ، صهيوني في أبو ظبي.

وفي السودان.. تحت الإغراء (23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلنت وزارة الخارجية السودانية أن الحكومة الانتقالية وافقت على تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال وفي اليوم نفسه، أعلن البيت الأبيض، أن ترامب أبلغ الكونغرس، نيته رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، التي أدرج عليها منذ عام 1993 ونصت الاتفاقية على بدء العلاقات الاقتصادية والتجارية، مع التركيز مبدئيا على الزراعة.

كما نصت على اجتماعات لاحقة بشأن اتفاقيات التعاون في تلك المجالات ومجالات أخرى مثل التكنولوجيا والزراعة والطيران وقضايا الهجرة. ومع ذلك قوبلت الاتفاقية برفض شعبي سوداني واسع، كما رفضته أغلب الأحزاب السودانية، وطالبت بالتراجع عنه خلال نفس الشهر، جرى توقيع أربع اتفاقيات بين البلدين في مجالات الاقتصاد والتجارة والسياحة والطيران.

وفي مارس الماضي، أعلن المغرب، توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بين رجال الأعمال المغاربة والإسرائيليين العاملين بالقطاع الخاص، لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية. ايها السادة الافاضل: التطبيع وآثاره مدمرة على قضية فلسطين ،واللافت للنظر هنا الانحدار المدوى والهرولة الآثمة لبعض الأنظمة العربية تجاه التطبيع مع المحتل لايمس فلسطين لوحدها بل يمس وحدة الأمة وتاريخها ويحطم نسيجها الذى كنا نفاخر به كافة الامم ،فالمحتل الصهيونى يحتل اراض عربية ويمارس فيها ابشع الممارسات التى تتنافى وابسط مواثيق الاعراف الدولية والانسانية والقدس مسرى النبى محمد صلى الله عليه وسلم ، تهود ووتتغير معالمها فى كل يوم حتى اعطى ترامب وعده المشؤوم بان تكون القدس عاصمة لدولة الاحتلال لقد غدا التطبيع المجانى يجتاح المنطقة وياخذ منحى خطيرا حتى بات أمراً واقعا ،الأمر الذى يشكل تنكراًواضحاً وخطيراً لحقوق شعبنا الفلسطينى وخنجراً مسموماً فى خاصرة القضية وتغولاًكبيراً للمحتل وحلفائه الأمريكان،ولم يقتصر الامر على ءلك بل فتح الباب على مصراعيه لصياغة المشاريع الهادفة الى تصفية القضية وتهميشها وجعلها فى هامش الأولويات ،الا ان رفض الشعب الفلسطينى بكل مكوناته السياسية والشعبية وقيادته الشرعية التي افشلت كافة المشاريع ومن منطلق لا يمكن تمرير تلك المشاريع الا باعطاء الشعب الفلسطينى الا باعطائه لحقوقه واقامة دولته وعاصمتها القدس ...وان المشكلة الفلسطينية هى لب الصراع واذا لم تعط حقوقه لن يكون هناك سلام فى المنطقة كلها ... لقد نجحت السياسة الامريكية باستثمار النفوذ الايرانى وتمدده فى المنطقة الى حصر الصراع فى الشرق الاوسط بين العرب وايران ، وكذلك تطبيق الفوضى الخلاقة وتاجيج الصراعات الداخلية مما ادى الى انكفاء المواطن العربى وانشغاله فى هموم يومه المعيشية ،تلك الارهاصات ادت الى تآكل مركزية الصراع تدريجيا وذلك لاتاحة الفرصة للمحتل بنهب الاراضى واقامة المستوطنات وتهويد القدس ،كل ذلك ادى الى استبعاد الصراع من اولويات واهتمام السياسات للانظمة العربية التى غادرت مربع التاييد والدعم للقضية الفلسطينية ان الحضور الكبير للكيان الغاصب فى عقول صناع القرار السياسى الأنظمة العربية الفاسدة ،جعله فى حكم الامر الواقع وارتماء تلك الانظمة فى حضن المحتل الغاصب ليصبح القوة المركزية الرئيسة ،هذا بالاضافة الى ممارسة دور الشرطى فى المنطقة زلزال المتغيرات المتسارعة فى المنطقة أدى الى انكماش القوى التقليدية وظهور قوى جديدة تاخذ على عاتقها قيادة دفة الامور فى المنطقة سينعكس سلبا على قضيتنا الفلسطينية ،الامر الذى يزيد من التحديات والمخاطر على القيادة الفلسطينية واضطرارها الى صياغة الامور والتفاعل مع المتغيرات وتوحيد الصف لمجابهة الأخطار التى تحدق بالوجود والهوية ،ولقد استدركت القيادة الأخطار مبكرا ودعتة إلى اجهاض زلزال المتغيرات الجارفة قطار التطبيع يمضى قدما وسيحط رحاله فى محطات عربية قادمة ،وهنا نتساءل هل تترجم الجماهير العربية رفضها للتطبيع الى النزول الى الشوارع العربية ؟ حسابات السياسة في عقول صناع القرار للدول المطبعة هى أوهام ، لأن التطبيع سيفشل بعون الله وستظل قضية فلسطين حاضرة دوماً في وجدان الجماهير العربية ، مهما طبع المطبعون وهرول المهرولون.

البوابة 24