بقلم:محمد جهاد إسماعيل
تدخل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا شهرها التاسع وأفق المواجهة يتزايد ولا ينحسر. ليس من المنطق أن يصمد الجيش الأوكراني - كل هذه المدة - أمام الضربات الروسية الماحقة، لولا الدعم اللوجستي الهائل الذي يتدفق من الغرب. لا تواجه موسكو أوكرانيا وحدها، بل من وراء أوكرانيا تخوض مواجهة مفتوحة مع حلف الناتو وكل الغرب. رغم بعض النجاحات التي حققتها العملية العسكرية الروسية على الأرض، ورغم نجاح بوتين في ضم عدد من البقاع الاستراتيجية الأوكرانية، إلا أن التخندق الغربي خلف أوكرانيا يلحق أذىً شديداً بروسيا ويستنزف قدرات جيشها.
تقف روسيا لغاية الآن منفردة في مواجهة الغرب بأكمله، ولا تتحالف معها بشكل رسمي سوى بيلاروسيا. هذا ما يدعو لطرح السؤال التالي: لماذا انهمك بوتين طيلة السنوات الماضية في بناء دولة قوية وجيش قوي، وفي المقابل أهمل فكرة إنشاء حلف عسكري جديد بموازاة الناتو؟. مهما كانت روسيا قوية وقادرة، فإنه ينقصها الحلفاء، وينقصها التحرك ضمن حلف، هذا ما أثبتته المواجهة الحالية.
يؤخذ على موسكو تلكؤها وصبرها الطويل، في مسألة بناء حلفها العسكري المقابل للناتو. كان ينبغي على الروس، ومنذ بداية النهضة التي أحدثها بوتين، أن يستحدثوا نسخة جديدة من حلف وارسو القديم. إن نمط الصراع الكوني القديم الجديد المتمثل في (كتلة شرقية) و(كتلة غربية) يحتم على موسكو ضرورة بناء حلف لها، فلا ولن يكون بمقدور الروس وحدهم، أن يمثلوا الكتلة الشرقية في صراعها مع الغرب. لا أدري لماذا تقاعست موسكو في هذا الجانب!.
لربما وجد الروس أنه لا مجال لإنشاء حلف جديد، بسبب ضيق القُماشة التي أمامهم وانضواء معظم دول شرق أوروبا تحت لواء الناتو. ولربما تمالكهم الغرور، فظنوا أنهم أقوياء بما يكفي وليسوا في حاجة لأحلاف. وربما تكون استراتيجيتهم بالأساس، هي الاستعاضة عن الأحلاف، بالتوسع الدائم وتحريك الحدود وضم الأراضي الجديدة للملكية الروسية، كما حدث مؤخراً في ضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة، ومن قبل ذلك شبه جزيرة القرم.
انضمت روسيا خلال العشرين أو الثلاثين عام الأخيرة لعدد من المنظمات الإقليمية، كمنظمة معاهدة الأمن الجماعي ومنظمة شنغهاي للتعاون، إلا أن تلك المنظمات لا ترقى لدرجة أحلاف، وعضويتها لا تفيد الروس كثيراً من الناحية العسكرية. ربما الفائدة الوحيدة التي تجنيها روسيا من تلك المنظمات، هي عرقلة تمدد الناتو على محور حدودها الجنوبية. ليس في وُسع الروس التهرب، من حقيقة أنهم بحاجة لحلف عسكري صلب وقوي ينافح الغرب ويقف في وجهه. فالصدام الجاري الآن في أوكرانيا ليس سوى البداية، ومكائد الغرب لن تقف عند هذا الحد، فالمأمول غربياً والمُدبر، هو إرهاق روسيا، واسقاطها بالطريقة التي أُسقط بها الاتحاد السوفياتي من قبل. في ضوء ذلك، هل يقتنع الروس بضرورة البدء بتشييد حلفهم، أم أن ظهور الحلف سيتأخر أكثر وأكثر؟.