بقلم: منُال زيدان
بين مطرقة حماس وسنديان السلطة منذ مدة طويلة وقادة الفصائل في الداخل والخارج يتحدثون عن انتفاضة ثالثة تحدث على الارض ويتبجحون بهذا الشعار وكأنهم جزء من النضال الفلسطيني الذي يجري خاصة في الضفة وأخذهم الوهم بانهم يمسكون بزمام النضال والمقاومة الفلسطينية وكل الخيوط بين ايديهم والحالة النضالية وحالة الاشتباك في الضفة هي من صناعة خلاياهم وقيادتهم ،وما يجري في الضفة ما هي إلا حالة فردية ولم تصل حتى الى هبة جماهيرية وشعار اننا نعيش انتفاضة ما هو إلا شعار يختبئون خلفه للدلالة على عجزهم السياسي والمقاوم وعن تحريك المياه الراقدة في مستنقعهم العميق المتجمد سياسيا وتنظيميا وجماهيريا.
أن ما يجري من عمليات فدائية موجعة ومؤثرة ضد الاحتلال وجيشه ومستوطنيه والتي تتصاعد يوما بعد يوم خاصة في الضفة هي عمليات فردية بامتياز وسط صمت وترقب من غزة التي تكتفي بالتهليل والتكبير والتحريض على اشعال الضفة ضد الاحتلال بينما حماس تمنع الفصائل في غزة من التصعيد والرد على اعتداءات المستوطنين والجيش الاسرائيلي ضد ابناء شعبنا في القدس والاقصى وعموم الضفة من اقتحامات واغتيالات وهدم للمنازل ، حماس وشعار يدنا على الزناد وجاهزون للرد في حال تم الاعتداء على الاقصى والاحياء المقدسية وعلى شعبنا وهي تراقب عن كثب حسب ما عبر عنه ابو عبيده اثناء اقتحام جيش الاحتلال لمدينة نابلس وارتكابه مجزرة بحق ابناء شعبنا والتي استشهد خلالها 11 فلسطيني وعشرات الاصابات على ما يبدو انه غير كافي لدخول المقاومة وحماس في المواجهة ،وعلى ما يبدو أن نظر الحركة قصير وتعاني من ضعف بصري بحيث لا ترى ما يجري والثابت أن حماس غارقة حتى اذنيها في تهدئة وانسجام تام مع الاحتلال مقابل الشنطة القطرية وألاف تصاريح العمل للغزين داخل الخط الاخضر وعدم المساس بقيادة الحركة ، نحن متفقون أن لا ثابت بالسياسة وأن تكون أسير بدرجة كبيرة للشعارات الوطنية والدينية ويصعب عليهم الانتقال من المقاومة الى التسوية والهدوء والسلام مع إسرائيل دفعة ومرة واحدة والتفكير ببراغماتية واقعية، لكن هذا الانتقال المفاجئ المغطى والمغلف بالشعارات الوطنية والدينية اصبح لا ينطوى على احد ومكشوف ونحن خائفون على المقاومة من ممن يدعون انهم مقاومة ومن المقاومة نفسها وفي الجهة المقابلة ممن يسيرون في طريق المفاوضات ويؤمنون بركب السلام كل المؤشرات والوقائع تؤكد فشلهم في انتاج خطوة وسنتر متر واحد نحو تحقيق اي تقدم بل العكس تماما اسرائيل تحارب السلام وكانه قنبلة موقوته ولا تراهم حتى بالعين المجردة وتسثمر خطابها بالتحريض ضدهم وعلى الارض تسحب منهم شرعيتهم كسلطة وطنية من خلال هدم المنازل والاغتيالات والاعتقالات ومصادرة الاراضي وشرعنة الاستيطان.
شمعون بيرس رئيس الوزراء الاسبق ووزير خارجية اسرائيل في عهد رابين واثناء المفوضات مع الجانب الفلسطيني كان متخوفا ومرتبكا من الشهيد ياسر عرفات أن يخون الاتفاق (اتفاق اوسلو)ويحرجه في الشارع الاسرائيلي فقال للوسيط النرويجي تاريا لارسن، إثناء المحادثات قل لهم، بأن هناك كثيرين يقولون لنا لا تتحدثوا مع عرفات، وأنه لا يمكن الوثوق به. فهو يغير رأيه. يجب أن يخلق ثقة، وله القليل من هذا”.
في النقاش نفسه، عبر بيرس عن تخوفه من أن يؤدي فشل المحادثات إلى حرج، وإلى أن يظهر هو وزملاؤه “أغبياء وساذجين اليوم وبعد عشرات السنين على توقيع اوسلو ثبت بلا شك اننا نحن الساذجين وما زلنا نتمسك باتفاق إسرائيل التي اضرمت النار به ونثرت رماده في وجه المفاوض الفلسطيني.
في المحصلة الثغرة كبيرة جدا بين من يدعون ويحملون شعار المقاومة وبين اصحاب فكرة السلام والمفاوضات والعامل المشترك بينهم وللاسف هو عدم المساس بمصالحهم وعدم المواجهة بشكل مباشر مع الاحتلال والإكتفاء بالتحريض والشجب والإستنكار ضد وحشية واعتداءات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وكانهم نسخة طبق الاصل عن الجامعة العربية والامم المتحدة وغيرهما من مؤسسات الشجب والاسنكار.
حالة يمكن وصفها بانها خليط بين الماء والضباب مشوشة لدرجة من الصعب فهم هذا الموقف الغريب لحماس والسلطة وكيف استطاعت اسرائيل ترويضهم كما تريد لدرجة أننا عاجزون عن تعريف وتحليل كيف ولماذا والى اين نحن متجهون حين يكون الشعب بين مطرقة حماس وسنديان السلطة وحين نفتقد للبديل في ظل عجز فصائل المنظمة وعلى رأسهم حركة فتح في توحيد كلمتهم ومقاومتهم والعودة الى طاولة المنظمة التي لطالما كانت الجامع بينهم وتوحدهم رغم خلفاتهم السياسية وهذه دعوة لحركة فتح للملمة صفوفها ولملمة فصائل المقاومة ووضع خطة وطنية لقيادة العمل الوطني ونحن ندرك كما يدرك الجميع أن لا حرب ولا سلام بدون حركة فتح.
ولعل السلطة اكثر وضوح في تبريرها لتمسكها بالسلام والاتفاقيات الموقعة برعاية عربية ودولية مع اسرائيل وكونها تنادي بانتفاضة شعبية سلمية ويربطها اتفاقيات وعلاقات مع الغرب مرهونة بالدعم السياسي والافتصادي والمالي وقد تكون شفافة اكثر من حماس وفصائل العمل الوطني فهي لا تنادي بعسكرة العمل الوطني وتتمسك بالسلام والمفاوضات وعلى الاقل هذا موقفها ، لكن حماس التي تنادي بالمقاومة ثم المقاومة ماذا تريد والى اين تتجه وبوصلتها عكس فكرها وعكس المقاومة التي تدعيها فحين تكون الكلمات نيئة وغير ناضجة تصبح صعبة الهضم وهكذا هي حماس والسلطة،والمشترك بينهم يصب في مصلحة إسرائيل .
أما الشعب الفلسطيني فهو المعصور بينهم والمهضوم نيئا وناضجا.
مٌنال فهمي زيدان كاتب وباحث