بقلم : منى الفارس
أتذكرين يا امي عندما كنت طفلة كنت اشرب الشاي والحليب واضع فيه الكثير من السكر كنتي تعزرين علي خوفا على اسناني ها انا كبرت يا امي اصبحت اشرب القهوة دون سكر وتركت الحلوى وكل ما يربطني بأيام الطفولة تركت السباحه التي كانت عيبا ان تمارسها فتاة كبرت تركت ركوب الخيل وتركت السير على جذوع الاشجار التي كنت اسير عليها واقفز عليها واتمرجح كعصفورة تحلق بين الاشجار كبرت يا امي مثلما كنت تريدنني ان اكون اصبحت رزينة بعقلي وقلبي اتذكرين يا امي عندما بلغت الحادي عشر من عمري اصطحبني ابي معه الى سوق نابلس واشتريت حذاء احمر كان كعبه عالي كان يسمونه كعب الغزال سرت فيه في شوارع نابلس وكنت اترجح بالسير وقدماي آلمتني ورغم ذلك كنت سعيدة لأني شعرت إنني كبيرة واصبحت فتاة جميلة . قلدة لحظتها الجميلات بمشيتهن وها انا اتذكر تلك المواقف المضحكة عندما أمسكتني ابنة عمي العروس كاتت انذاك وانا استخدم مساحيقها التجميلة وذهبت تشكيني لك عن فعلتي، عزرتني لحظتها واخذتي تغسلين لي وجهي لم يهمني في تلك اللخظة عصبيتك وكل ما افرحني هو عندما نظرت الى المرآة وجدت وجهي جميل وشعرت انني كبيرة.
ولما بلغت الثامنه عشر سمحت لي بشرب القهوة فشربتها حلوة ولبست الفساتين والتنانير وحملت حقيبة اليد، ووضعت المكياج بعدها بسنوات قليله لأنني اصبحت فتاة في مقتبل العمر وكثر نظري لمرآتي أحببت نفسي واهتممت بها كنت دائمة الضحك والابتسامة أهتم بأي شي يزيدني جمالا أستمع للأغاني الرومانسية واكتب الشعر الرومانسي تخيلت ان الحب الذي سأعيشه كما رأيته بالشعر وسأجد من يعشقني كعشق عنتر لعبلة وعشق جميل لبثينه وعشق محمود ياسين لنجلاء فتحي ، حلمت كثيرا يا امي وعشت الحلم وحاولت تقمسه، ولكنني اسفه يا امي، انا الان الومك لما لم تقولي لي ان هذا تمثيلا وان واقعنا يؤد الحب والمحبين وان قلبي الابيض سيمتليء بالخربشات السوداء التي ستكتسح نقاءه وان الحياة لن تبقى وردية بل ستمر عليها عواصف تغمق لونها في عيوني وتقتلع كل حلم دافيء عشته، لما لم تقولي لي ان مثلما توجد الولادة يوجد الموت والنهاية. احببت يا أمي بصدق أناس وتعلقت بهم، منهم من غادرني بإردته لأنه لم يعرف لون قلبي ويفهمه، ومنهم من غادروني بعد تعلقي بهم بالموت وهي ارادة الله . اصبحت سوداوية الحياة يا أمي تؤثر على رؤياي وتضعف دقات قلبي، لم تعد دقات قلبي تخفق للحب فقط بل اصبحت تخفق لفراق الاحبة وموتهم.
أمي كنت اضع راسي على كتفك وانام بحضنك فأنسى اللآمي . والان حتى وسادتي ضاقت بي ذرعا وملت مني ومن بكائي وشكواي. افتقدك يا امي احن اليك والى صدرك اشتقت لكاس الحليب سكر زيادة ولكاس الشاي بالكعك والبسكويت ومناقيش الزيت والزعتر التي كنت تعديها لي لاتناولها قبل الذهاب الى المدرسة اشتاقت لكنزة الصوف التي حكتيها لي بيديك لتدفئني من البر د امي ذهبتي وذهب معك كل حلو وعذب ، غادرتني وغادرني لاحقا الكثير من الأحبه الذين كانوا يرسمون لضحكاتي كل المعاني الجميلة وها انا يا امي اتصنع الضحكة وأزور الابتسامة على شفتاي رحلت يا امي ورحلوا وراءك كل الاحباب الذي ذهبوا اليك.