عزالدين أبو ميزر
كلٌّ يأتيهِ يَوْمُهْ ...
لِلقَصَصِ عَلَى مَرّ التّارِيخِ
كَمَا لِلشّعرِ هُناكَ رُوَاةْ
وَخَيَالٌ يَجمَحُ لَا تُعجِزُهُ
السّبعُ أرَاضٍ وَسَمَاواتْ
وَمَدائنُ دَالت وَحَضَارَاتْ
بَغدادُ وَهارونٌ إسمَانِ
بِبَعضِهِمَا اقتَرَنا بالذّاتْ
كانَت لَهُمَا الألْفُ لَيَالٍ
دُونًا عَن كُلّ اللّيلَاتْ
قَد قَالَ الرّاوي حِينَ رَوَى
عَن هَارُونٍ يَا سَادَاتْ
أنْ كانَ لَهُ فِي الأرضِ قُصُورْ
وَحَدَائِقُ أطيَارٍ وَزُهُورْ
وَبِيَومٍ مَلِكُ أذرْ بَيْجَانْ
قَد جاءَ إلَى بَغدَادَ كَزائِرْ
وَهَدِيّتُهُ كَانَت طَائِرْ
فِي قَفَصٍ ذَهَبِيٍّ نَادِرْ
وَيُقَالُ لَهُ طَيرُ الوَقوَاقْ
وَبِهِ هَارُونُ قَدِ احتَفَلَا
إذْ قالَ هَلَا
بٍالزّائِرِ ضَيْفًا ألفُ هَلاَ
وَلِحَاجِبِهِ أعطَى الطّائِرَ
وَهُوَ يَقُولْ :
أَسكِنْهٌ وأكرِمْ مَثوَاهُ
وَاجعَل جَنّتَنَا مَأوَاهُ
( وَالطّائِرُ يَأتِيهِ يَوْمُهْ)
وَبِبَغدَادٍ يُوجَدُ تَاجِرْ
قَد كَانَ تَقِيًا وَلِتَقوَاهْ
أغنَاهُ وَفَتَحَ عَلَيهِ اللهْ
أكثَرَ مِن بَاقِي التُجّارْ
وَلُقّبَ قارونَ الثّانِي
لَا مَالٌ يَنقُصُهُ أوْ جَاهْ
وَعَلَى كِبَرٍ رُزِقَ بِبِنْتْ
مَا إنْ كَبِرَتْ حَتّى مَرِضَت
وَبِهَا كُلّ الطِبّ احتَارْ
وَمَلَاكُ المَوتِ عَلَيهَا دَارْ
وَالتّاجِرُ يَضرِبُ كَفّيهِ
وَدُمُوعٌ تَملأُ عَينَيهِ
مَا تَرَك فَقِيرًا مَا أعطَاهْ
فَلَعَلّ اللهَ يُجيبُ دُعَاهْ
وبِبابِ الدّارْ
فِي يَومٍ وَقفَ عَليهِ غَرِيبْ
مَا كَانَ فَقِيرًا بَل سَألَا
عَن حَالِ البَيتِ
وَأهلِ البَيتِ وَمَن يَرعَاهْ
وَبِكُلّ هُدوءٍ تَاجِرُنَا
قَد كَانَ يُجِيبْ
فَابتَسَمَ وَقالَ هُناكَ دَوَاءْ
وَدَمُ الوَقوَاقِ لَخَيرُ دَوَاءٍ
فِيهِ شِفَاءْ
إنْ دُهِنَ كَمَرهَمَ فَوقَ الجِسْمْ
لَا تُضِعِ الوَقتَ وَلَا تَتْعَبْ
فَدوَائِي مِن قَبلُ مُجَرّبْ
وَالصَيّادُونَ أتَوْا للتّاجِرِ بَعدَ نِدَاءْ
وَعَلَيهِم عَرَضَ بِكُلّ سَخَاءْ
مَن يَجلِبُ هَذَا الطّيرَ
يُجازَى مِنّي خَيرَ جَزَاءْ
فَأجَابَ الكُلّ طَلَبتَ مُحَالْ
لَن يَأتِيَكَ بِهِ إلّا
عِفرِيتٌ مِن مَملَكةِ الجَانْ
أو مَلِكٌ يَحكُمُ ذُو سُلطَانْ
إذ كَيفَ سَنَصِلُ أذرْ بَيجَانْ
أحَدُهُمُ بَقِي وَلَم يَذهَبْ
أغرَاهُ المَالْ
وَكَسَامِرِ مُوسَى بَصُرَ بشيْءْ
وَبِعِلِمٍ لَم يَعلَمْهُ سِوَاهْ
إذ قَالَ بِأنّ لَدَى هَارُونَ
جَنَائِن أطيَارٍ غَنّاءْ
وَلَعَلّ الطّيرَ يَكونُ لَدَيْهْ
وَالحَارِسُ قَد يُغرِيهِ المَالُ
فَيُعِطينَاهْ
مَا كَذَبَ الحَارِسُ إذْ سُئِلَا
أوْ كَسِوَاهُ لَفّ وَدَارْ
وأجَابَ بَلَى وَلَدينَا الطّيْرْ
كَهَدِيّةِ مَلِكِ أذَرْ بَيْجَانْ
أهَدَاهُ لٍمَولَانَا مِن شَهْرْ
وَسَأطلُب مِن مَولانَا الإذْنْ
هَارونُ أجابَ ألَمْ أُخبِركَ
بِيَومِ أتَانَا كَهَدِيّةْ
فِي أنّ لِهَذَا الطّائِرِ يَوْمْ
وَأرَى الصّائِدَ قَد نَادَاهْ
(والصائِدُ يَأتِيهِ يَوْمُهْ)
رَجَعَ الصّيَادُ وَقَد غَنِمَا
لَكِنْ مَطلَبهُ مَا تَمّا
إذْ نِصفُ الجٍسمِ بِهِ قَد شُفِيَ
وَنِصفٌ هُوَ يَحتَاجُ دَمًا
وَالطّمَعُ كَطَبعٍ فِي الانسَانِ
قَليلٌ مِنهُ قَد سَلِمَا
فَاجَابَ التّاجِرُ خُذ مَالِي
وأكُونُ بِعَهدي مُلتَزِمَا
إنْ أنتَ أتَيتَ لَنَا بِالطّيرِ
وَرّبي يَشهَدُ إنْ لَزِمَا
وَالحَارِسُ رَاوَدَهُ الصّيّادُ
بِ عَلّ لِهَذَا الطّيرِ أخٌ
أوْ أُخْتٌ مِنهُ قَد حُرِمَا
واتّبَعَا الأثَرَ بِلَا كَلَلٍ
مَا أحَدٌ بِهِمَا قَد عَلِمَا
هِيَ عَشرُ دَقَائِقَ تَلزَمُنِي
وَأكُونُ بٍعَهدِي مُلتَزِمَا
قَالَ ادخُلْ جَنّةَ مَولَانَا
وَاجعَلْ مِن عِهدِك إيمَانَا
فَاجَابَ بِعَهدِي سَوفَ أفِى
وَبِصِدقِي تَجِدُ البُرهَانَا
وَالوَقتُ تَوَلّى ضِعفَاهُ
وَالصّائدُ أبَدًا مَا بَانَا
وَالحَارِسُ لَعِبَ الشَكُّ بِهِ
وَالقَلبُ قَدَ اصبَحَ حَيرَانَا
فَتَسَلّلَ يَستَرِقُ السّمعَا
وَبِهَولِ الصّدمَةِ قَد فُُجِعَا
إذْ كَانَ الصّيّادُ مُسَجّى
مُصفَرّ الوَجْهِ وَمُمتَقِعَا
فَهُنَالِكَ قَد كَانَت أفعَى
وَبِفِيهَا السُّمّ قَد انتُقِعَا
وَالحَارِسُ أخبَرَ سَيّدَُه
فَأجَابَ كَأنّي بِالأفعَى
لِقضَاهًا قَد جَاءَت تَسْعَى
وَبٍلَحظَةِ رَفَعُوا الجُثمَانَا
وَالحَيّةُ بِالثّوبِ المَلِسِ
عَاجَلَهَا أحَدُهُمُ بِالسّيفِ
فَفَصَلَ الجِسمَ عَنِ الرّأسِ
(حَتّى الثّعبَانُ أتَى يَوْمُهْ)
وَالحَارِسُ بَشّرَ سَيّدَهُ
بِقَضَاءِ الجُندِ عَلَى الحَيّةْ
وَانتَظَرَ لِبُشرَاهُ هَدِيّةْ
أوْ يَحظَى مِنهُ بِتَرقِيّةْ
لَكِنّ الصّدمَةَ مَا خَطَرَتْ
فِي بَالِ الحَارِسِ أوْ مَرّتْ
إذْ قَالَ زُبيدَةُ أمسِ العَصرْ
وَجَوَارِي القَصرْ
وَالفَتَياتُ المَحظِيّاتْ
قَد كُنَّ ذَكَرنَ الحَيّةَ أمسْ
صَفرَاء اللّونِ لَهَا قَرنَانْ
سَاعَةَ تَهجِمُ فَلَهَا جَرْسْ
وَلِخَوفِ الكُلّ مِنَ الحَيّةْ
قَد ألغَينَا أمسِ الحَفلَةْ
وَالسّهرَ مَعًا تَلكَ اللّيلَةْ
أمَّا وَالحَيّةُ قَد هَلَكَتْ
وِبِحدسِي يَومُكَ مِنكَ دَنَا
فَاذهَبْ لِتُهَيّىءَ مَجلِسَنَا
لَا تَنسَ جَمِيعَ المُتّكَآتْ
وَعَلَيهَا فُرُشٌ وَطَنَافِسْ
لِتَكُونَ اللّيلةُ لَيلَتنَا
أحلَى اللّيلَاتْ
وَالحَارِسُ فِي الأرضِ تَسَمّرْ
مِمّا قَد قِيلَ وَما سَمِعَا
وَالموتُ تَبَدّى فِي عَينَيهْ
وارتَجَفَ الخوفُ عَلَى شَفَتَيهْ
وَأخيرًا حَسَمَ الأمرَ وَقَرّرْ
إنْ حَقًا مِنِي الأجَلُ دَنَا
فَسَأجعَلُ آخِرَ سَهرَاتِي
وأوَاخِرَ لحظَاتِ حَيَاتِي