البوابة 24

البوابة 24

قراءة في مشهد مناوشات الشمال

بقلم محمد زهدي شاهين

اختلفت التحليلات والرؤى والتصورات حول عملية اطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني على منطقة الجليل الفلسطينية المحتلة يوم الخميس الماضي، فهناك من يرى بأنها تندرج تحت بند الرد الطبيعي على الاقتحامات المتكررة وشبه اليومية للمسجد الأقصى المبارك وتدنيسه والاعتداء على المصلين والتنكيل بهم من قبل جنود وشرطة الاحتلال الصهيوني من اجل فرض امر واقع جديد مع مرور الوقت في المسجد الاقصى من اجل تقسيمه مكانياً وزمانياً، وهذه الاحتمالية هي الاحتمالية الواردة. لكن يعتقد البعض بأنها خطوة انفعالية اتت دونما تروي ودراسة في حال ما كانت من غير تنسيق مسبق مع الحزب، لكنها وبغض النظر ذلك فقد كشفت لنا بواطن الضعف الأمني الاسرائيلي، واضمحلال قوة الردع لديهم وخوفهم المؤكد من المواجهة التي عززها قصفهم لمناطق زراعية خالية ومفتوحة خوفا من رد المقاومة اللبنانية.

يظن أخرون بأن من يقف خلف هذه العملية هي دولة الكيان إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة من اجل الهروب من الأزمة الداخلية التي تعصف في كافة القطاعات الاسرائيلية الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك من القطاعات الاخرى دونما استثناء. هذا التصور على الأغلب مستبعد، ولكنني لن أخوض فيه وساترك الباب هنا مفتوحا، ولكنني سأعرج على ازمتهم الداخلية فواهم من يعتقد أو يظن بأن هذه الجولة ستخرجهم من أزمتهم كونها أزمة عميقة جدا وسرعان ما ستعود لكي تطفو على السطح من جديد.

هناك ايضاً من يعتقد بأنها عملية متفق عليها مع الجانب الاسرائيلي وهذا ما استبعده جملة وتفصيلاً كونها تندرج تحت بند التخوين المباشر وهذا ما لا اتعاطى معه بالمطلق.

هذه الصواريخ دونما ادنى شك رفعت من معنويات الفلسطينيين والمقدسيين على وجه الخصوص الذين مونوا بالخيبة والخذلان من قبل الدول العربية والإسلامية التي تقف مكتوفة الأيدي اتجاه هذه الاعتداءات على الاماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في فلسطين ، ومما زاد الطين بِلة بيانات الشجب والاستنكار والإدانات بأشد العبارات، ومناشداتهم للمجتمع الدولي التي تأتي من باب الضعف والعجز والهوان.

رجح الكثير منذ البداية بأن دولة الكيان لن تحتفظ بحق الرد كما هو الحال عليه في عالمنا العربي والإسلامي، ولكنها ستكتفي برد محدود من باب ذر الرماد في العيون وحفظ ماء الوجه، وهذا يأتي من باب عدم الصعود على الشجرة لأن عملية النزول عنها ستكون مكلفة جداً وهم غير مستعدين لدفع الثمن هذا من باب ، ومن باب اخر فقد اختار ساسة الاحتلال هذا النوع من الرد لكونهم يرغبون في الدرجة الأولى تحقيق وحدة الصف الداخلي من خلال احراج المعارضة الداخلية بأن دولتهم أمام الكثير من التحديات وفي مقدمتها الخطر الوجودي لكيانهم ولا بد من تنحية خلافاتهم جانباً.

فظنوا بأنها فرصة مواتية من اجل صيد عصفورين بحجر واحد، من خلال رد محدود لا يدخلهم اتون حرب مفتوحة ستكون صعبة وطويلة، وتحييد للمعارضة الداخلية وفقا للحجج أنفة الذكر، وهذا ما لا اظنه كما يقول مثلنا العربي كونها مسلة ما بتخيط فأزمتهم عميقة، وحكومتهم حكومة ضعيفة متهورة، وكيانهم أخذ بالتأكل بفعل عدة عوامل داخلية اهمها الأزمة الحالية، وخارجية في تنامي محور المقاومة، ومعادلات الإقليم الجديدة، وخلافاتهم الدولية. تعددت التساؤلات كذلك في كون هذه العملية قد جاءت بعد تخطيط مسبق بين فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله أم لا، واذا ركنا للحالة الأولى فأنني لا اعتقد بأن محور المقاومة بحاجة لاختلاق المبررات من اجل مهاجمة الكيان الصهيوني الذي يقصف جهارا نهاراً في سوريا اهدافا سورية وإيرانية ولبنانية تابعة للحزب، إلا اذا كان ذلك من باب الاستثمار واللعب على الوتر العاطفي الديني للشعوب العربية والإسلامية كون قضية المسجد الأقصى هي قضية كل مسلم، وهذا ما لا يختلف معه احد أو عليه، وهناك احتمالية اخرى بأن حزب الله لا علم لديه عن هذا الأمر لعدة اسباب لن نتطرق اليها، فهناك ما يدحضها ويعيدنا للاحتمالية الأولى وهو التسجيل الذي بدى هادفا لأمر ما، والذي نشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي لفتاة لبنانية صورت المكان الذي انطلقت منه بعض الصواريخ من ارض زراعية حتى بدى الأمر كما لو أنه قد خطط له مسبقاً كون المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ كانت قريبة من مكان تواجد الفتاة وهي منطقة هشة امنيا لكونها مكشوفة، ومنصات الاطلاق بحاجة لبعض الوقت والترتيبات من اجل تجهيز عملية الاطلاق وهذا بطبيعة الحال لن يكون بعيدا عن اعين رجال الحزب.

وفي هذه المناسبة نجد أنفسنا نقف أمام عدة تساؤلات: من هي الجهة الفلسطينية التي تقف خلف عملية اطلاق تلك الصواريخ؟ هل هي بالفعل حركة حماس؟ وهل كان ذلك بتنسيق مسبق مع حزب الله أم لا؟ أم يا ترى جهة فلسطينية اخرى فكرت خارج اطار الصندوق؟ وهل سيتعرض المسجد الاقصى في ليلة الثامن والتاسع عشر من رمضان للاقتحام أم لا؟ لكل اجابة هنا مدلولها وما يبنى عليها، وها نحن في حالة انتظار وترقب لنرى مدى نجاعة وتحقيق انجازات لعملية اطلاق الصواريخ، وتطوراتها وتبعاتها على حالتنا الفلسطينية وعلى الوضع الداخلي الاسرائيلي.

البوابة 24