بقلم جلال نشوان
كثيرة هي الأسئلة التي تدور في خلد معظم قراء المشهد السياسى على الساحة الدولية ومنها : هل بزغ نور ملامح النظام العالمي الجديد ؟ مع أن الإجابة في غاية الصعوبة الا أن ملامح هذا النظام أوشكت على الظهور السادة الأفاضل: ربما أكون قد تسرعت في القراءة ولكن معطيات زيارة الرئيس الفرنسي ومعه رئيسة المفوضية الأوروبية( أورسولا فون دير لاين) ، حيث قدم المسؤولان رسالتين متباينتين، فمن جهة اشتكت فون دير لاين من الممارسات الصينية التجارية غير المنصفة ووصلت إلى البلد بعد خطاب شديد ألقته حول الخطر الديكتاتوري الذي تمثله الصين. ومن جهة أخرى حذر ماكرون الغرب من الانزلاق في دوامة من التوترات التي لا مفر منها مع الدبلوماسية الصينية شهدت أسبوعاً حافلاً ، حيث رافق الرئيس الصيني (شي جين بينغ) ضيفه الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارة استمرت ثلاثة أيام للعاصمة الصينية بيكين وللمدينة الكبرى في الجنوب غوانزهو. ويبقى السؤال الأكثر حضوراً : هل فر ماكرون ولو لفترة قصيرة من المتظاهرين الذين احتجوا على قانون التقاعد ؟ أم أن ماكرون قد استوعب الدرس مبكراً وأيقن أن الولايات المتحدة الأمريكية تتلاعب بأوروبا؟ ماكرون استقبلته بدلا من ذلك حشود المرحبين به في جامعة (صن يت صن) في غوانزهو . اللافت للنظر ، الى انه بين المراسيم الاحتفالية وجلسات الشاي رأى القائدان مجموعة من الشركات الفرنسية والشركات التي تديرها الدولة الصينية ووقعا عدداً من العقود وقدم شي ما أراد ماكرون معرفته عن نظرته تذكير واضح للولايات المتحدة التي أشار إليها شي بالطرف الثالث المهيمن والفجوة بين موقفها المتشدد مع موقف دول أوروبية اتسم بالمراوغة. وهناك من رأى أن الزيارة غامضة و الى انه لم يكن واضحا ما قدمه شي لماكرون سياسيا ، فقد حث الرئيس الفرنسي نظيره الصيني على إعادة روسيا إلى رشدها بسبب غزوها لأوكرانيا، لكن كلامه قوبل بخطاب نمطي لم يحرك بوصلة الصراع في اتجاه مهم. وفي مؤتمر صحافي مع فرنسا حث شي على استئناف محادثات السلام سريعا وحماية المدنيين وكرر أهمية عدم حصول حرب نووية بسبب أوكرانيا. وربما كانت النقطة الأخيرة، أكبر مسافة بين شي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لوح بالخيار النووي منذ أن بدأ غزوه المستمر. ورغم دعوات القادة الأوروبيين لم يظهر شي أي التزام بالحديث مع الرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي. ورافقت ماكرون، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، حيث قدم المسؤولان رسالتين متباينتين، فمن جهة اشتكت فون دير لاين من الممارسات الصينية التجارية "غير المنصفة"، ووصلت إلى البلد بعد خطاب شديد ألقته حول الخطر الديكتاتوري الذي تمثله الصين. ومن جهة أخرى حذر ماكرون الغرب من الانزلاق في "دوامة من التوترات التي لا مفر منها مع الصين". واقترح المعلقون الصينيون أن تغيير الطاولات للتاريخ يقترح اعترافا من ماكرون بثقل الصين وأهمية اقتصادها، وبخاصة في وقت يحاول فيه ماكرون خط طريق قوي وقادر ومستقل لأوروبا. وكتب كل من جانغ جي وجو شينغ في مقال نشر قبل فترة مع أن هناك مظاهر قلق في فرنسا بشأن قضايا دولية وأزمات في غاية التعقيد أي كانت المعطيات، فالتنين الصيني تربع على عرش الاقتصاد العالمي ومبادرة (الحزام والطريق) مشروع السياسة الخارجية المميز للرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي يُعد أكبر برنامج للبنية التحتية في العالم، يشكل تحدياً اقتصادياً وسياسياً كبيراً للولايات المتحدة وكذلك لمستقبل التغير المناخي والأمن والمصالح الصحية العالمية هذا ما خلصت إليه تقارير أمريكية السادة الأفاضل: منذ إطلاق مبادرة (الحزام والطريق) في عام 2013، موّلت البنوك وبنت الشركات الصينية كل شيء، بدءاً من محطات الطاقة وسكك الحديد والطرق السريعة والموانئ، إلى البنية التحتية للاتصالات وكابلات الألياف الضوئية والمدن الذكية حول العالم. إذا نفذت المبادرة بشكل مستدام ومسؤول، ستكون الصين قادرةً على تلبية احتياجات البلدان النامية لأمد طويل وتحفيز النمو الاقتصادي العالمي. لقد أدركت الولايات المتحدة الأمريكية خطر التمدد الصيني والدليل على ذلك قررت العودة إلى الديار وخفضت تواجدها العسكري في الخليج وأماكن أخرى للتفرغ للحد من النفوذ الصيني الذي يتمدد بسرعة قراء المشهد السياسى رأوا أن الولايات المتحدة تأخرت جداً في وقف المد الاقتصادي والمالي للصين، بسبب انشغالها في أزماتها المالية والاقتصادية في ظل سياسات فيها كثير من التخبط ، خاصة بعد رحيل ترامب ومجيئ بايدن والمتابع للشأن الأمريكي يرى أن الولايات المتحدة انشغلت داخلياً وزادت ديونها في وقت تراكم فيه الفائض الصيني، حيث أصبحت الصين أكبر دائن للولايات المتحدة من خلال شراء سندات الخزينة الأميركية ، وأن قراء المشهد السياسى يروا من الصعب اليوم احتواء الصين. حيث أفلت التنين الصيني من أي محاولات للهيمنة عليه، وربما يحتاج الأمر إلى ولادة تحالف وقد رأينا ملامحه بين الولايات المتحدة وبريطانيا، عبر خلق مبادرة موازية لمبادرة الحزام والطريق الصينية، مع أن تحقيق ذلك يحتاج إلى تخطيط وتركيز وسرعة عمل وهذا الأمر غير متوفر لدى الجانبين الأمريكي والبريطاني السادة الأفاضل: الاقتصاد الصيني أظهر نمواً كبيراً خلال السنوات العشر الأخيرة، وأصبح ينافس بقوة الاقتصاد الأمريكي ونقول ان الصين تربعت على عرش الاقتصاد العالمي وبقوة وفي المقابل انحسر الاقتصاد الأميركي في ظل تعدد أزماته والتغير الذي طرأ على السياسات الأميركية عقب الانتخابات و أن للصين استطاعت أن ترسخ طريق الحرير في العالم وبعد كل هذه المعطيات فإن ملامح النظام العالمي الجديد قد تغيرت ولم تعد الأحادية القطبية سائدة بعد اليوم.