غزة/البوابة 24 – صابرين الحرازين
في غزة، لم يعد القتل والجوع والدمار وحدها ما يرهق كاهل الناس، بل أضيف العطش إلى فصول المعاناة اليومية. محطة ياسين "ETA"، المغذّي شبه الوحيد لآلاف العائلات في قطاع غزة، توقفت رسمياً عن العمل، ليس بسبب نقص الوقود هذه المرة، وإنما بسبب موقعها في منطقة الصفطاوي شمال القطاع، التي تحولت إلى ساحة قتال مغلقة بفعل العملية العسكرية، ما دفع الشركة إلى إعلان انتقالها نحو جنوب غزة.
محاولات لإبقاء المحطة فاعلة
يقول فراس جودة، مهندس تحكم صناعي في شركة ياسين، إنهم حاولوا استكمال الخدمات عبر نقل جزء من الأصول التشغيلية من فرع الصفطاوي إلى تل الهوى لتشغيل محطة تحلية مستحدثة تضمن استمرار الخدمة في مدينة غزة، بينما نُقل الجزء الأكبر إلى مواصي خانيونس.
يوضح الناطق باسم بلدية غزة، حسني مهنا، لـ"البوابة 24"، أن المدينة تحتاج يومياً إلى نحو 100,000 متر مكعب من المياه، بينما لا يتجاوز الإنتاج الفعلي 12,500 متر مكعب. وحتى مع استمرار خط مكروت الإسرائيلي الذي يضخ قرابة 15,000 متر مكعب بشكل متذبذب، يبقى العجز عند حدود 72.5%.
وأضاف مهنا أن المحطة كانت مخصّصة لتزويد أحياء واسعة بالمياه الصالحة للشرب فقط، ما يعني أن عشرات الآلاف من السكان فقدوا مصدرهم الأساسي للمياه المفلترة.
أصوات العطش ترتفع
بدأت أصوات العطش تعلو في القطاع. يصف المواطن سامي جميل، الذي غادر المنطقة تحت النيران، توقف المحطة بأنه "مصاب جلل"، قائلاً: "كل شاحنة مياه نظيفة وراءها شركة ETA".
أما محمد أبو القمصان (27 عاماً)، من سكان الشيخ رضوان والقريب من المحطة، فيقول إنه يواجه صعوبة شديدة في جلب المياه بعد خروج المحطة عن الخدمة، مضيفاً أن سيارات المياه التي كانت تمر كل ساعة تقريباً بأربع أو خمس شاحنات، اختفت اليوم بشكل شبه كامل، ما خلق شحاً حاداً.
وتروي إيمان عياد، من سكان الشيخ رضوان، أن العاملين في المحطة غادروا المكان كغيرهم من سكان المنطقة خوفاً على حياتهم، فتوقفت الخدمة وسط مأساة مستمرة مع غياب البدائل. وتؤكد أن أغلب المياه المتوفرة حالياً غير صالحة للشرب أو الاستخدام اليومي كالطبخ والاستحمام بنسبة تصل إلى 50%، لاحتوائها على البكتيريا والجراثيم، ما يضع الغزيين أمام كارثة إنسانية متجددة وصعبة للغاية.
تحذيرات من كارثة إنسانية
المهندس سعدي علي، مدير وحدة إدارة المشاريع في سلطة المياه ورئيس لجنة إدارة أزمة المياه في القطاع، حذر من أثر توقف المحطة، مشيراً إلى أنها كانت تمثل مصدراً أساسياً لمياه الشرب، خصوصاً بعد تدمير محطة تحلية مياه البحر شمال غزة منذ بداية العدوان.
وتقدر سلطة المياه أن توقف المحطة يعني فقدان ما بين 400–600 متر مكعب يومياً من الكميات المدعومة، إضافة إلى كامل طاقتها الإنتاجية البالغة نحو 1,000 متر مكعب يومياً، ما فاقم الأزمة في شمال القطاع.
أوضح علي أن المياه المتوفرة عبر المحطة كانت تشكل نحو 3% من إجمالي كميات المياه الصالحة للشرب في القطاع، والتي توزع مجاناً للسكان والنازحين عبر سلطة المياه وشركائها. وفي شمال غزة تحديداً، مثلت ما يقارب 7.5% من إمدادات الشرب خلال أغسطس، ما يجعل توقفها إنذاراً بكارثة أكبر.
ورغم ذلك، تحاول سلطة المياه إيجاد بدائل بعد فقدان مصدر أساسي لمياه الشرب في شمال القطاع، لكن الإمكانيات محدودة جداً مقارنة بحجم الاحتياجات. وأكد المهندس علي أن سكان غزة يحصلون حالياً على نحو 3–10 لترات مياه للفرد يومياً فقط، أي أقل بكثير من الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية في حالات الطوارئ (15 لتراً للفرد يومياً).
مطالب عاجلة للمجتمع الدولي
دعت سلطة المياه عبر "البوابة 24" المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل لإنقاذ سكان غزة من كارثة العطش، وذلك عبر وقف العدوان ورفع الحصار فوراً لتمكين إدخال المستلزمات الأساسية لقطاعي المياه والصرف الصحي من معدات ووقود ومواد كيميائية وقطع غيار، إضافة إلى إصلاح الشبكات والمرافق المتضررة.
كما شددت على ضرورة توفير الحماية العاجلة للفرق الفنية والعاملين لضمان استمرار الخدمات، وإنشاء آليات لرصد وتوثيق الانتهاكات التي تحرم السكان من حقهم في المياه. وأكدت أن الأولوية الآن تكثيف الدعم لجهود الحكومة الفلسطينية وسلطة المياه من خلال تنفيذ تدخلات طارئة تشمل إنشاء محطات تحلية صغيرة، صيانة الآبار والشبكات، تشغيل مرافق الصرف الصحي، نقل المياه بالصهاريج، وإنشاء نقاط تعبئة جديدة، إلى جانب دعم الفحوصات اللازمة لضمان جودة المياه. وختمت بمطالبة المجتمع الدولي بممارسة الضغوط اللازمة على الاحتلال للسماح بالوصول إلى المرافق المتضررة وحماية العاملين في هذا القطاع الحيوي.
في ظل العدوان والحصار، يتراجع حق الغزيين في الحصول على الماء إلى مستويات تهدد صحتهم وكرامتهم الإنسانية. فما يجري في الشيخ رضوان والصفطاوي والشجاعية والتفاح والزيتون جريمة حرب ممنهجة تهدف إلى حرمان السكان من المياه وتهجيرهم قسراً. إنها صرخة عاجلة إلى المجتمع الدولي حتى لا يتحول العطش إلى الوجه الأشد قسوة في حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة.