واقعنا والنوافذ المكسورة!!

بقلم د بسام سعيد 
اكاديمى وباحث 

 يخطئ من يظن أو يعتقد بأن البلدان المتقدمة تدار بالبركة أو كما يقال بالسبهلله ،  فالتطور العلمى والمعلوماتى الهائل  فى تلك الدول جاء نتيجة للبحث العلمى وتبنى نظريات لم تترك حبيسة الادراج بل طبقت على أرض الواقع وفى العمل الرسمى وفى الإدارة وحتى فى المنازل  ، ومن ضمن هذه النظريات التى ارتأيت الكتابة عنها  نظرية عرفت باسم  نظرية النوافذ المكسورة ، وهى نظرية سلوكية نحتاجها فى حياتنا على مستوى البيت والشارع والدوله !
فما هى هذه النظريه ؟
هي نظرية في علم الجريمة تسعى لإرساء القواعد والإشارة إلى تأثير الفوضى و التخريب  المعادية للمجتمع ، وتسمى أيضا  بنظرية النوافذ المحطمة و هي نتاج فكر المُنظرين (واضعي النظريات) في علم الجريمة: جيمس ويلسون و جورج كيلنج.

 هذه النظرية بسيطة للغاية ويمكن تعريبها إلى أن الكبائر تبدأ بالصغائر، أو أن عظيم النار  تأتى من مستصغَر الشرر، أو صغائر الأمور بدايات عظائمها ، أو كما يقال من المقدمات نستدل على النتائج !   و يرى هذان  المنظّران أن الجريمة هي نتاج الفوضى والتخريب  وعدم الالتزام بالنظام في المجتمعات البشرية. اذا حطم أحدهم نافذة زجاجية في الطريق العام، وتُركت هذه النافذة دون تصليح، فسيبدأ المارة في الظن بأنه لا أحد يهتم، وبالتالي فلا يوجد أحد يتولى زمام الأمور، ومنه فستبدأ نوافذ أخرى تتحطم على ذات المنوال، وستبدأ الفوضى تعمّ البيت المقابل لهذا النافذة، ومنه إلى الشارع ومنه إلى المجتمع كله،  ولا تقتصر النظرية على النوافذ المحطمة، بل تشمل أيضاً السيارات المهجورة، ومراتع القمامة والنفايات  ، والأركان المظلمة من الحواري والطرقات. وقد تكون البداية من مشكلات بسيطة نسبياً مثل الفوضى العامة، لكنها في الواقع تمثل دعوات إلى المزيد من الجرائم الخطيرة. فكم من بدأت كمشكلة بسيطة ثم تطورت في تعقيدها بعدد من المراحل والدوائر لتصبح نقطة تحول لنوع من الجرائم الخطيرة المنظمة، فعدم وجود رادع  لتلك الأفعال من البداية قبل تفاقمها وتطورها تأخذ  منحنيات أخرى وتكون النتائج كارثية !
ويمكن القول ان مبدأ النظرية بسيط ولكنه عبقري في تقنينه ثم جعله أُنموذجاً قابلاً للتطبيق على أرض الواقع ، فوجود النوافذ المكسورة في الشوارع يشجع المارة على كسر المزيد منها من باب العبث ، ثم يتجرأ الفاعل فيكسر نوافذ السيارات ، ثم يتحول العبث إلى جرأة فيتم اقتحام البيوت وسرقتها ، او إتلافها ، وكذلك الحال بالنسبة لوجود بعض المخلفات البسيطة من القمامه الملقاه على الطرقات  يشجّع الآخرين  على رمي المزيد من المخلفات والقمامه  حتى ينعدم الذوق العام ولايصبح للنظافة معنى ونفسيا يتم المشاركة الوجدانية فى الاهمال  !!..

ولان جوهر النظرية مبني على علم النفس البشري الذي يقول بان الإنسان لديه قدرة وحب الانضباط والالتزام بالقوانين والآداب العامة متى ما توفرت له البيئة المشجعة على ذلك ، وسرعان ماينفك من هذا الالتزام متى ما رأى الانفلات والفوضى  من حوله سمه غالبه فى الواقع  !!..
ومن هنا يمكن الإشارة إلى أن هذه النظرية قلبت الموازين في العقد الماضي ، وغيرت في قوانين الإدارة عموما وفي الإدارة المدنية خصوصاً ، فعلى مستوى المدن الأمريكية مثلا فُرضت المخالفات  على كل من يلقى  المخلفات في الشوارع مهما صغر حجمها ، ونُظفت الجدران يوميا من كل مايكتب عليها ، وغُسلت وسائل المواصلات يوميا ونظفت ، فأحسّ الناس أن من واجبهم المساهمة في الحفاظ على هذا الإنجاز الحضاري ، وعلى مستوى المرور فُرضت الغرامات  المالية  على كل مخالفة صغيرة (مهما صغرت) فقلّت المخالفات الكبيرة واختفت الحوادث،ثم تبنّت الإدارات الحكوميةوالمؤسسات الخاصة هذه النظرية كأساس مهم في فن الإدارة لتطوير العمل ورفع الإنتاجية والارتقاء بالواقع فالسؤال المطروح في هذا الإطار هل نحن نحتاج إلى معرفة وتطبيق هذه النظرية فى حياتنا العامة والخاصة لكى ينصلح بعض حالنا،  أم سنبقى مرتع للفوضى والفلتان والتسيب  والاهمال والذى يفاقم من معاناتنا  رغم أننا ننباهى العالم بأننا من أكثر الشعوب تعلما وحمله للشهادات العلمية   !!!!. ,,,,

البوابة 24