ما وراء استدعاء الجيش المصري لقوَّات كبيرة من الٱحتياط إلى الحدود الجنوبية مع السودان..!! (تقدير موقف)
✍️بقلم الباحث والمحلل السياسي | د. صلاح أبو غالي
في تطوُّر دراماتيكي لافت لمجريات الحرب الدَّائرة في السودان ، قام الجيش المصري باستدعاء عدد كبير من المجنَّدين على قوَّة الاحتياط، حيث أن عملية الاستدعاء تتم بشكل دوري في العادة ، ولكن هذه المرة تم استدعاء عدد كبير من الجنود وبشكل طاريء وعلى غير العادة منذ حرب أكتوبر 1973 ، وذلك نظراً لما تمر به البلاد على الحدود الجنوبية من حركة نزوح للسودانيين وللاجئين من جنسيات أخرى بحثاّ عن الأمان باتِّجاه مصر.
ومن اللافت أيضاً أن القوَّات المسلَّحة المصرية قامت بتدشين عدد من نقاط المراقبة الجديدة على الحدود الجنوبية مع السودان ، نظراً للأحداث الدَّائرة هناك.. ولكن!! هل هذا الحدث العاجل يُخفي خلفه تحرُّك مصري باتِّجاه المشاركة في الحرب ودعم موقف الجيش السوداني انطلاقاً من اتفاقية الدِّفاع المشترك بينهما والتي عقدت عام 2021 ، أم هناك أبعاد أخرى ؟! وفي حالة حدوث ذلك فما هي النتائج المترتِّبة عليه ، هذا ما سنتناوله بقراءة متأنِّية للأحداث كما يلي :
⬅️ أولاً : دخول الجيش المصري إلى أراضي السودان بشكل مباشر ومُعلن لدعم الجيش السوداني في مواجهة قوَّات الدَّعم السَّريع : وسيحقِّق هذا التدخُّل عدَّة أهداف تخدم مصر ، وتحقِّق التَّوازن السِّياسي والعسكري في المنطقة ، ولكن !! سيترتَّب عليه عدة نتائج كما يلي :
- حفظ ماء الوجه للجيش المصري والرد على الإهانة التي حدثت لجنوده في القاعدة المصرية من قبل قوَّات الدَّعم السَّريع.
- الرَّد على الإمارات بعد وقف الدَّعم المالي لمصر ، وإضرارها بالمصالح المصرية وخاصة ملف الأمن المائي والغذائي .
- دخول الجيش المصري للسودان سيحقِّق السَّيطرة على الموارد المائية والاقتصادية ما يمثِّل طوق النَّجاة لمصر في أزمتها الاقتصادية .
- سيحقِّق ذلك إسكات جميع الأصوات المندِّدة بالأزمة الاقتصادية في مصر ، من منطلق أن هناك أزمة حرب يخوضها الجيش المصري في السودان ، ويجب على الجميع الصَّمت بفعل "قانون الطَّواريء" .
🔴 سلبيَّات دخول الجيش المصري في حرب مباشرة ومعلنة بالسودان :
- فرض عقوبات على مصر ستؤدي للإضرار بالاقتصاد المصري بشكل كبير وقد ينهار تماماً على خلفية ذلك ، حيث أن ذلك التَّدخُّل سيكون على غير رغبة أمريكا وروسيا وحلفائهم في الأحداث السودانية .
- تحييد وتقزيم دور مصر الإقليمي كلاعب كبير في المنطقة ، وهذا ما شهدناه من وجود مبادرة أمريكية سعودية بفرض حالة هدنة وتوجه فريقي تفاوض من الجيش السوداني وقوَّات الدَّعم السَّريع إلى السعودية وليس إلى الجارة مصر ، ما يعني حدوث استبدال لمكانة مصر في المحافل الدولية وتقزيم دورها ومكانتها .
- فرض أمريكا وروسيا لمناطق حظر طيران فاصلة بين مصر والسودان ، ما سيعمل على تحييد سلاح الجو المصري في المعركة وقد يؤدي للهزيمة المحقَّقة .
- وقف إمدادات القمح من روسيا وأوكرانيا بإيعاز من روسيا وأمريكا ، ما سيعني حدوث أزمة غذاء في مصر والسودان .
🔴 إيجابيَّات دخول الجيش المصري في حرب مباشرة ومعلنة بالسودان :
- استرداد مصر لدورها الإقليمي ، ولمكانتها الدولية كلاعب أكبر في المنطقة .
- طرد الإمارات من منطقة البحر الأحمر والجنوب ومن منطقة دارفور ، ورفع يدها عن الموارد الاقتصادية وخاصَّة الذَّهب ، وتحييد دورها في دعم قوَّات الدَّعم السَّريع .
- نزع ملكية الإمارات لأراضي الفشقة ومروي وكردفان ودارفور ، تلك التي تهدِّد الأمن المائي والغذائي في السودان ومصر .
⬅️ ثانياً : تدخُّل الجيش المصري في الصِّراع الدَّائر بشكل غير مباشر وغير مُعلن لدعم الجيش السوداني في مواجهة قوَّات الدَّعم السَّريع : وسيحقِّق هذا التدخُّل عدَّة أهداف تخدم مصر ، ولكن !! سيترتَّب عليه عدة نتائج كما يلي :
🔴 سلبيَّات دخول الجيش المصري في حرب غير مباشرة وغير معلنة بالسودان :
- التَّملُّص والهروب من العقوبات الاقتصادية التي قد يتم فرضها على مصر .
- تحجيم وتحييد التَّهديد على الأمن القومي المصري من جهة الحدود الجنوبية مع السودان .
- تحييد دور الإمارات وأثيوبيا وداعمتها إسرائيل ، وإفشال مخطَّط إيقاع مصر وتهديد أمنها المائي والغذائي ، وما يتبعها من تهديد لأمنها القومي .
- إسترداد الجيش المصري لسمعته ومكانته الإستراتيجية التي انحدرت منذ سنوات كأقوى جيوش المنطقة .
🔴 إيجابيَّات دخول الجيش المصري في حرب غير مباشرة وغير معلنة بالسودان :
- تحرُّك واقتحام جماعات متطرِّفة لحدود مصر الجنوبية مع السودان بدعم من الإمارات وإسرائيل بهدف إحداث فوضى داخل مصر ، وخلق حالة من عدم الإستقرار تهدِّد أمنها القومي .
- وقوع السلاح المصري ومنها سلاح الطَّيران الذي ستقدِّمه للجيش السوداني لدعمه في معركته مع قوَّات الدَّعم السَّريع ، فيقع في أيادي قد تستخدمه بشكل لا يخدم الأهداف التي وضعت له ، وخاصَّة لو حدثت انشقاقات في صفوف الجيش السوداني .
- إستهداف المصالح المصرية في المنطقة من قبل الإمارات وإسرائيل كرد فعل على التَّدخُّل المصري في الأحداث .
- حدوث أزمة دبلوماسية بين مصر وأمريكا وروسيا وحلفائهم على خلفية التَّدخُّل المصري في الأحداث ، وعزل مصر دولياً .
⬅️ مآلات فوز وانتصار البرهان في الصِّراع مع حميدتي وأثره على مصر والسودان :
- خلق توازن عسكري استراتيجي في المنطقة ، وعودة الهيبة للجيش النِّظامي السوداني كجيش فاعل في المنطقة ، وتعزيز اتِّفاقية الدِّفاع المشترك بين مصر والسودان .
- عودة الإستقرار ، وانتظام العمل في مؤسَّسات الدولة السودانية ، ما يدفع إلى عودة اللاجئين الفارِّين إلى مصر ودول الجُّوار من وجه المعارك إلى ديارهم .
- فشل جميع المخطَّطات التي تدفع باتجاه المزيد من التَّقسيم لأراضي السودان ، وما كان سيطال مصر ودول عربية أخرى ، وسيدفع باتِّجاه حفظ أمنها المائي والغذائي .
- حفظ المقدَّرات المائية والإقتصادية ، والدفع بخلق استثمارات تخدم اقتصاد الدولة والشعب ، وحفظ أمن مصر المائي والغذائي .
- خلق فرص للديموقراطية والتَّعاون بين المكوِّنين المدني والعسكري بما يحقِّق نجاح العملية السِّياسية وفرض سيادة الدولة المدنية .
- عودة الفرق الدبلوماسية وإعادة فتح السَّفارات الدولية على الأراضي السودانية وعلى رأسها مصر، كونها لا تعمل إلا مع دول ذات سيادة وجيوش نظامية تحفظ أمن الحدود .
⬅️ مآلات فوز وانتصار حميدتي في الصِّراع مع البرهان وأثره على مصر والسودان :
- في حالة حدوث ذلك ، فسيكون بمثابة كارثة محقَّقة على مصر ، وستعصف بالأمن المائي والغذائي المصري .
- تزايد نفوذ دول المصالح واستئثارها بمناطق نفوذ ، وخلق نوع من المحاصصة على الموارد الاقتصادية السودانية ، وخنق الإقتصاد المصري .
- ستعمل قوَّات الدَّعم السَّريع على تهديد أنظمة وكيانات المنطقة كأداة من أدوات الفعل العسكري غير النظامي التي تخدم أطراف دولية وإقليمية، ما سيهدِّد أمن مصر والإقليم .
- سيدفع ذلك إلى إقتحام جماعات مسلَّحة متطرِّفة لحدود مصر الجنوبية مع السودان ، ما سيكون له دور مباشر في حدوث فوضى داخل مصر من خلال نشوب صدام مسلح بين الجيش المصري وبين هذه الجماعات المدعومة من حميدتي وحليفته الإمارات وإسرائيل .
⬅️ الخاتمـــة : بات من الوضوح بمكان ، أن الصِّراع الدَّائر في السودان ، والذي لا يخدم إلا أطرافاً إقليمية ودولية وللأسف بأدوات سودانية متمثِّلة في قوى الجيش بقيادة "عبدالفتاح البرهان" من جهة ، وقوَّات الدَّعم السَّريع بقيادة محمد دقلو "حميدتي" من جهة أخرى، هذا الصِّراع وكما هو واضح لن ينتهي في الأمد القريب ، كونه صراع دولي على مناطق نفوذ وسيطرة على الموارد المائية والاقتصادية ، الأمر الذي سيكون من مآلاته ما هو أكثر خطورة من مصالح هنا أو هناك ، ألا وهو تنفيذ مخطَّط تقسيم مصر كما هو الحال في السودان ، واليمن ، وسوريا ، والعراق وليبيا ، ذلك المخطَّط الذي وضعه "برنارد لويس" عام 1983 وصادق عليه الكونجرس الأمريكي ، وسيكون بداية النهاية للدول والأنظمة العربية ، والكثير منها باتت على هذا الطَّريق.. ما تمت حياكته على أيدي صنَّاع السِّياسة بليل "مخطَّط الإشغال والتَّفتيت" ما هو إلا من أجل خلق شرق أوسط جديد ، ولطالما كتَبت ونشَرت في مقالات سابقة وتحدَّثت عنه ، هو مخطَّط خطير تم وضعه وفق الرُّؤية الصُّهيوأمريكية للإحكام والسَّيطرة على المنطقة ، ومن أجل تقليم أظافر روسيا والصين وحلفائهم ، وتفويت الفرص عليهم في أخذ مناطق نفوذ اقتصادي وعسكري متقدِّم في الشَّرق الأوسط.. ولكن !! عند البحث عن ما هي مخطَّطات روسيا والصين وحلفائهم في مواجهة هذه المخطَّطات ، بكل تأكيد هي ذاتها ولكن بقوالب وتكتيكات وسيناريوهات مختلفة ، وجميعها تستهدف الأنظمة والمصالح والموارد العربية ، وتقود إلى حروب صراع البقاء ، وقد تنحرف البوصلة باتجاه حرب شاملة ثالثة تهدِّد البشريَّة .