قراءة أولية في العدوان الصهيوني على غزة وآلية الرد

 بقلم ا.د. خالد محمد صافي

واضح تماما أنه لا يوجد حاضن شعبي فلسطيني أو عربي أو حتى إسلامي يدعم المقاومة في قطاع غزة، فلا مظاهرات، ولا مسيرات ولا وقفات جدية حقيقية في الضفة الغربية أو الشتات للاحتجاج على العدوان الإسرائيلي الصهيوني على غزة، حيث تركت غزة وحيدة لمواجهة مصيرها وقدرها، وهذه ليست المرة الأولى، حيث تعودت غزة على ذلك. ولكن الصمت هذه المرة كبيرا رغم الحديث عن وحدة الساحات، وعن تحول الجاليات الفلسطينية في الخارج نحو دعم المقا  ومة. الكل يتفرج على مشاهد قتل الأطفال والنساء بصمت، والكل يشاهد كيف تقدم غزة ابنائها قرابينا، ومع ذلك صمت مطبق، أو قليلا من كلمات خجلة هنا وهناك تدين وتشجب. لا اشتباك شعبي على حواجز الاحتلال في الضفة الغربية، ولا وقفات احتجاج في ميادين المدن الرئيسية وكأن غزة تقارع في كوكب أخر خارج الكرة الأرضية أو حتى خارج مجموعتنا الشمسية. كان الرهان دوما على الحاضن الشعبي بعد أن تكشف عرى الخطاب والأداء الرسمي العربي، الذي انتقل في الكثير من الدول من الدور الداعم والمساند إلى الدور الصامت، وتحول في السنوات الأخيرة إلى الدور المتواطىء، والأداء التطبيعي الخياني، بل هناك تسابق فيما يخون ويتواطىء اكثر كما يحدث لدى جنرالات الحرب في السودان. ولكن صمت الحاضن الشعبي وعدم تعاطيه وانفعاله مما يحدث في غزة من مجازر صهي نية يشكل ضربة كبيرة للمقاو. مة ويضعف من أدائها وتطورها ومسيرتها النضالية. 
   ومع ذلك لا نريد أن نستبق الأحداث فهي لم تنته بعد، والعدوان لا يزال مستمر، ولكن بقراءة أولية يبدو أن الأداء المقا وم لم يخرج عن طور الأداء التقليدي، فالخطاب الإعلامي الثأريي خطاب ناري مرتفع في كلماته وشعاراته ولكن الأداء الفعلي لم يرتق لهذا الخطاب، فالتهليل يحدث لأضرار تقع في منازل المغتصبات هنا وهناك، وتصفيقات هنا وهناك للمسافات والمساحات دون تحقيق شعار العملية وعنوانها " ثأر الأحرار". وهناك كتابات بعض المحسوبين على هذا الفصيل أو ذاك لتبرير النزول عن شجرة الشعارات الكبيرة، بأنه يكفي شرفا أن المقا.  ومة قد واجهت العدوان لدولة قوية ورابع جيش في العالم ... الخ. فكل مرة يكون الخطاب ناريا وقويا ولكن الأداء ضعيفا لاسيما بعد عام 2021، فهل ذلك يعود إلى ترك فصيل واحد فقط يقوم بمهام الرد مع بعض فصائل أو مجموعات عسكرية ضعيفه تحت ذريعة عدم الانجرار لمواجهة شاملة. ما حدث هو اغتيال جبان، وخديعة صهيونية لتفاهمات حدثت مع دولة مصر المسؤولة عن سياسة إطفاء الحرائق بين الطرفين وتفاهمات وقف إطلاق النار باعتباره ملف يخص مصر، وهي المكلفة به فلسطينيا وعربيا وإقليميا ودوليا، وبالتالي ما حدث كان خديعة كما قال نتنياهو ليس لغزة بل لمصر والمجتمع الدولي، وهذا ليس بجديد على الكيان الصهيوني، ولكن وحسب تأخر الرد، وحسب خطابات وحدة الساحات، وحسب خطاب التقارب والتنسيق بين الفصيلين الإسلاميين كان يتوقع أن يكون الرد بتكتيك جديد يختلف عما سبق، ولكن حتى تكتيك الردع الصامت لم يطل كثيرا، وجاء الأداء بعده تقليديا تماما مما يوحي بأن الفصيل لم يستفد من تجاربه السابقه، ولم يطور ادائه وأدواته حتى تتناسب مع خطابه الناري، وشعارات الكبيرة. الرد ليس بحجم عنوان الرد، وليس بحجم القادة العظام الذي تم اغتيالهم مع أسرهم. 
ولذلك لابد من عملية تقييمية حقيقة لمستوى الخطاب، ولمستوى الأداء، وايضا لمستوى الحاضن الشعبي الضعيف من أجل اتخاذ قرارات بالاستمرار في الأداء التقليدي الضعيف أو البحث عن تهدئه تحفظ ماء الوجه حتى لا تقدم غزة مزيدا من الضحايا في هذا العدوان الغادر عليها. 

غزة
11/5/2023

البوابة 24