الإنتخابات التركية بين الحسم لصالح أردوغان وسيناريو الفوضى الخلاقة بدعم إقليمي ودولي للإطاحة به

الإنتخابات التركية بين الحسم لصالح أردوغان وسيناريو الفوضى الخلاقة بدعم إقليمي ودولي للإطاحة به..!! (تقدير موقف)

✍️بقلم الباحث والمحلل السياسي| د. صلاح أبو غالي تحريراً في : 13 مايو 2023

منذ وصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لسدة الحكم في تركيا عام 2003 ازدادت صلاحياته بشكل هائل ، كيف لا وقد تولَّى السلطة في البلاد منذ أكثر من عشرون عاماً، وهذا يعتبر أمراً طبيعياً من وجهة نظر سياسية ، ولكنه الآن يواجه أصعب تحد له على الإطلاق. فقد وحَّدت ستة أحزاب معارضة قواها من أجل خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي يتم إجراؤها في 14 مايو 2023 ، واختارت زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو مرشَّحاً لها لخوض هذه الإنتخابات لمنصب الرئاسة. يحدث ذلك تحت ذرائع كبيرة مدعومة إقليمياً ودولياً وعبر ماكنة إعلام ضخمة تستهدف أردوغان وحزبه ، وأهمها :

🔴 أن نظام الحكم أصبح سلطوياً بشكل متزايد في عهد الرئيس أردوغان، وباتت تسميه المعارضة بالدكتاتور، وتسعى المعارضة من وجهة نظرها إلى تغيير ذلك ، وأنها باتت تحلم وتعشق العودة للديموقراطية ، وأنها بفوزها من ستحقق ذلك للشعب الاركي"..

🔴 الارتفاع الهائل في معدَّلات التَّضخُّم ، ويعزو البعض أن تردِّي الوضع الإقتصادي في تركيا هو بسبب موقفه الرَّافض لرفع أسعار الفائدة، حيث معدَّل التَّضخُّم الرَّسمي يزيد عن 50 في المئة بنسبة قليلة ، في حين أن بعض المختصِّين يقولون إنه أعلى من 100 في المئة..

🔴 سوء إدارة عمليات البحث والإنقاذ، وكذلك التقاعس عن تغيير النظم والقواعد الناظمة لشركات البناء والإنشاء في السنوات الماضية في أعقاب الزلزالين الكارثيين اللذين ضربا البلاد في 6 فبراير الماضي، الأمر الذي أدَّى إلى حملة انتقادات واسعة لأردوغان وحزبه..

🔴 أن أردوغان تولَّى منصب الرئيس لفترتين، وبذلك تعتبر فترة رئاسية ثالثة مخالفة لقواعد الدستور التركي ، وقد طالب سياسيون معارضون في وقت سابق المجلس بمنعه من الترشح ، ولكن المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا قضى باعتبار أن فترة الرئاسية الأولى لأردوغان قد بدأت في عام 2018 وليس في العام 2014، من منطلق أن النظام الرئاسي التركي الجديد يشمل إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في نفس اليوم الذي بدأ في عام 2018. هذه الذَّرائع باتت أسلحة مشرعة في وجه أردوغان وحزبه ، ووحده النَّاخب التركي من سيحدِّد مسار هذه المعركة الشَّرسة ، ولكي نفهم أكثر طبيعة الإنتخابات التركية ، يجب أن نفهم أولاً كيف تتم عملية التصويت :

🟥 لكي يتمكَّن أي حزب من دخول البرلمان ذي الـ 600 مقعد، يتعيَّن عليه الحصول على 7 في المئة من أصوات الناخبين، أو أن يكون جزءاً من تحالف يحصل على هذه النسبة.

🟥 يصوِّت النَّاخبون الأتراك للقوائم الحزبية وليس للمرشَّحين بموجب نظام التَّمثيل النسبي، ومن ثم فإن عدد المقاعد تحدِّده الأصوات التي تُمنح لكل حزب وليس للتحالفات.

🟥 المرشَّح الرئاسي الذي سيتمكَّن من الحصول على أكثر من نصف الأصوات في 14 مايو سيكون هو الفائز بالمنصب ، وفي حال لم يحدث ذلك ، سوف تجرى جولة إعادة للإنتخابات بعد أسبوعين من ذلك التاريخ. أما عن طبيعة التَّحالفات في دهاليز السياسة التركية فهي كما يلي : سوف تتنافس الأحزاب الأربعة الصغيرة في تحالف "الأمة" المعارض على مقاعد البرلمان تحت مظلة الحزبين الأكبر وهما : "حزب الشعب الجمهوري" و"الحزب الجيد".. ويشارك حزب العدالة والتنمية الحاكم في تحالف "الشعب"، وتخوض الأحزاب المنفردة المعركة الانتخابية بشكل مستقل عن بعضها البعض.. أما المرشَّحون الذين يخوضون الانتخابات عن حزب اليسار الأخضر بدلاً من حزب "الشعوب" الدَّاعم للأكراد يشكِّلون جزءاً من تحالف "العمل والحرية" المكوَّن من ستة أحزاب ، وسوف تخوض خمسة من تلك الأحزاب الستة الانتخابات تحت راية اليسار الأخضر. أما التَّغييرات التي تود المعارضة إدخالها على البلاد ، والتي تعتبرها السِّلاح الفتَّاك لسحب البساط من تحت أقدام أردوغان فهي كما يلي :

♦️يسعى تحالف الأمة بزعامة كليجدار أوغلو في استعادة النظام البرلماني في تركيا، وإصلاح النظام الرئاسي، وإسقاط حق رئيس الدولة في نقض التشريعات والقوانين، وقطع أية روابط بين منصب الرئيس والأحزاب السياسية، والعمل على أن يتم تعديل العملية الإنتخابية وقوانينها الناظمة بحيث يتم إجراء الانتخابات الرئاسية كل سبع سنوات..

♦️تتعهَّد الأحزاب الستة بتخفيض معدَّل التَّضخُّم إلى أقل من 10 في المئة في غضون عامين ، ودعم نمو الإقتصاد التركي وجلب الإستثمارات الأجنبية من خلال الأصدقاء الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، والعمل على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بشكل طوعي..

♦️تسعى الأحزاب السياسية الستة المتحالفة إلى بث روح الحياة في تركيا من جديد ، من أجل إنجاح المحاولات التي بدأتها تركيا منذ سنوات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كما وتسعى لاستعادة "الثقة المتبادلة" مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد سنوات طويلة من التوتُّر السياسي الذي أثَّر سلباً في العلاقات بين الجانبين في عهد الرئيس أردوغان.. أما ما يدعو إلى أخطر قراءة في المشهد التركي وعملية الإنتخابات ، ليست التحالفات المنظَّمة والمدعومة من الخارج في حد ذاتها من أجل إسقاط أردوغان ، بل الأخطر من ذلك كله هو : أولاً : ما قرأناه في طيَّات الإجابة عن سؤال تم توجيهه لأردوغان : "ما ذا ستفعل إذا فشلت في الإنتخابات أمام خصومك، فكانت إجابته أن هذه إرادة الشعب التركي وأنا سأحترمها مهما كانت النتائج ، ولكن ماذا سيفعل كليجدار أوغلو وحلفاؤه ؟! ، هل سيقبلون بهذه النتائج ، في إشارة إلى أن لديه معلومات أمنية مؤكدة بأن هناك مخطَّط خطير تم الإعداد له من قبل المعارضة مدعوماً ٱقليمياً ودولياً أنه في حال حُسِمت الإنتخابات لصالح أردوغان ، فإن هناك فوضى مسلحة ستحدث في تركيا من أجل إسقاطه ، وهذا يعيدنا إلى السيناريو الذي حدث عام 2016 في محاولة المعارضة خوض عملية إنقلاب فاشلة على حكم أردوغان، وأن هناك رغبة حقيقية لدى المعارضة وحلفائها الإقليميين والدوليين لتكرار ذات المشهد من أجل إزاحة وإسقاط أردوغان.. ثانياً : تم ضبط رئيس إحدى البلديات وبمكتبه كمية كبيرة من الأوراق الانتخابية تحمل إشارة كليجدار أوغلو ومختومة بكلمة "إيفيت" وبعد تحويله إلى النيابة اعترف بأنه تم التَّخطيط بأن يتم تمزيقها بشكل يظهر فيه الشعار والختم ، وإلقاؤها في صناديق القمامة الموجودة في مراكز الإنتخابات والمناطق المحيطة، ويتم اتهام أردوغان وحزبه بأنهم زوَّروا العملية الإنتخابية ، وعليه سينزل مؤيِّدوا كليجدار أوغلو إلى الشارع وإحداث فوضى عارمة تستدعي تدخُّل إقليمي ودولي من أجل إعادة الإنتخابات..

⬅️ الخاتمـــة : يذهب الآن أردوغان وحزبه في رحلة البحث عن ولاية رئاسية ثالثة ، وأصبح علينا أن ننتظر لنرى كيف يقرأ حزب أردوغان المشهد الانتخابي الحالي وما هي حساباته؟! وما هو التحدِّي الانتخابي الذي يواجهه أردوغان في هذه المرحلة العصيبة ، حيث أن هناك حالة من الاستقطاب بين الناخبين الأتراك منذ سنوات عديدة، هذا إلى جانب أن هناك رغبة حقيقية لدى الشعب التركي في عملية التغيير.. كما أن أردوغان البالغ من العمر 69 عاماً يخوض غمار هذه المعركة غير المسبوقة في وجه المعارضة، ويتعرَّض لضغوط كبيرة، إذ تشير بعض استطلاعات الرَّأي أن هناك فرص كبيرة إلى تفوُّق غريمه الرئيسي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعَّمه أردوغان قد استمر كحزب حاكم في تركيا منذ عام 2002 ، بينما يحكم هو كرئيس لتركيا منذ عام 2003 ، وأن هناك جيل جديد من الناخبين الشباب الجدد يبلغ نحو 5 ملايين ناخب لم يعرف زعيماً لتركيا سواه ، ولكن!! هل ينجح أردوغان من جديد في فترة رئاسية ثالثة وسط هذه المخططات ، أم أن هناك مشهد آخر ستؤول إليه الأمور ؟! ننتظر نتائج الإنتخابات لنرى.

البوابة 24