بقلم أ.د. خالد محمد صافي
لا يزال الخطاب السياسي الفصائلي الفلسطيني أسير بنية الخطاب العربي بشكل عام من خلال عاطفيته وتضليله للجماهير، فهو لا يعد خطاب موجه يعبر عن الحقيقة والمعلومة الصحيحة بل الهدف منه تضليل وتزييف وعي الجماهير ومن هنا يحدث الخلل والتخبط والفوضوية في وعي الجماهير التي ترفع سقف توقعاتها من الأداء الفصائلي أو الرسمي وبالتالي تمسي على أحلام وأمنيات، وتصبح على أوهام ونكبات وانتكاسات.
عقود من ديماغوجية الخطاب السياسي والإعلامي والعسكري التي أصبحت تدرس في كتب التاريخ والسياسة بخطابات أحمد سعيد في خمسينيات القرن العشرين، أو خطابات الصحاف في بداية القرن الواحد والعشرين. وبالتالي أصبح الخطاب الفلسطيني والعربي جزء لا يتجزء من أزمة بنيوية الأداء الرسمي والفصائلي الفلسطيني ومن ثم العربي الرسمي والحزبي والشعبي. وأن بنية الخطاب يجب أن تكون كاذبة تزيف وعي الجماهير، وتضلل فهمهم ومعرفتهم حتى تبقى الجماهير مغيبة عما يحدث. فكل بيانات الانقلابات العسكرية الأولى في العالم العربي كانت بيع أوهام ووعودات زائفة، وكل خطابات الحروب العربية بدأت بشعارات النصر والتقدم والعنتريات الكاذبة، ثم تفيق الشعوب على نكبات ونكسات ووكسات. ولم يعد الإنسان الفلسطيني بل والعربي يميز النصر من الهزيمة في الخطاب الإعلامي. الكل في خطابه يتحدث عن عبقرية أداءه، وأن القائد فذ وملهم وعبقري ومع ذلك خيبات الواقع تزادد، وجحيم الواقع يستعر، وتتبخر الاحلام، وتتحطم الأمنيات على صخور الواقع اللعين.
لم تفق الشعوب من غيبوبتها الفكرية والثقافية بحكم استمرار الخطاب الديماغوجي الرسمي والحزبي. فقد تطور ربما الخطاب في ميكنته الإعلامية بسبب التطور التكنولوجي في وسائل الإعلام المرئي والمسموع ... الخ، وتطور وسائل التواصل الاجتماعي وبروز الخطاب الشعبي ولكن بقي الخطاب الرسمي والحزبي مأزوم في بنيته لأنه ليس خطاب معرفي يهدف إلى خلق لغة حوار وتواصل مع الجماهير بل خلق تبعية جماهيرية مضللة تصفق وتزمر وتطبل في غيبوبتها الفكرية والثقافية، وليس الخطاب الرسمي والحزبي بحاجة إلى مثقفين حقيقيين يشخصوا الواقع ويعالجوا عثراته بل بحاجة إلى مثقفين من طابور أبواق التصفيق والتسحيج، يتم شرائهم من أجل إطالة عمر النظام، والبقاء في دولاب خيباته، يبيعون أوهام النصر، ويغطون على خيبات الواقع وجحيمه.
لذلك لابد من ثورة وعي جماهيرية شعبية ترفض وتقاوم الخطاب الرسمي والفصائلي، تعمل على تعريته وتقويض أركانه، وإبراز أزمة بنيويته التضليلية التي تسعى إلى الإبقاء على الواقع المر وعدم تغييره. فأولى خطوات تغيير الواقع هي تقديم قراءة نقدية للأداء الممارس وكشف عوراته، ولا يمكن معالجة الواقع بالتغطية على خيباته وخيبات قيادته بل تعرية أداء هذه القيادة، وكشف تناقض خطابها مع الواقع، وكشف سياستها في تضليل الجماهير، فليس المهم قوة وبلاغة الخطاب اللغوية فنحن لسنا في درس بلاغة ونحو وصرف بل في درس تقييم للواقع القائم وإبراز أمراضه، وتفاصيل جحيمه، وعناصر فساده. وكل ذلك يأتي بعملية تقييم حقيقية يقوم بها الإعلامي والمثقف الطبيعي الملتصق بهموم شعبه وقضيته.
غزة
19/5/2023