بقلم جلال نشوان
كانت صفعة الشرطية التونسية على وجه( محمد البوعزيزي) ، كافية لأن تؤكد أن الطغاة وجبابرة الظلم ، مصيرهم النهاية المريرة قسوة نظام زين العابدين قد بلغت حداً لم يعد يطيقه ذلك الشاب الذي كان يعتاش من عربة خضار يدفعها بثقلها في مواجهة عالم يعج بالفساد والظلم ومصادرة الحريات والفقر وانعدام الفرص. كان نظام زين العابدين الذي أوغر سيفه في صدر الشعب التونسي، مما جعل محمد البوعزيزي يشعل النار في نفسه ، لكن النيران امتدت لتحرق جسد نظام سياسي واجتماعي واقتصادي أوغل أنيابه وأظافره أكثر من خمسين عاماً في الجسد التونسي الغض ، خرج الشعب التونسي الشقيق ثائراً غاضباً ، ففر زين العابدين بن علي وركب طائرته هارباً من البلاد، بعد أن تدفق الملايين بإتجاه مقرات ومؤسسات النفوذ في الدولة، واستلوا هيبتها من أعماق النفوس ليرموا بها إلى أقصى ما يبلغه هتاف الثورة وفوران الغضب امتدت ثورة الياسمين التونسية إلى البلدان العربية المجاورة ، لتصحيح مسار النظام الإقليمي العربي ، لكن تحالف الأنظمة الحاكمة في دول الخليج مع القوى الرافضة للتغيير في دول الربيع العربي أجهض هذه الفرصة، بل ومهد الطريق لاحقاً نحو إقدام عدد من الدول العربية على إبرام اتفاقيات أبراهام التي جسدت حالة الانفراط التام لعقد النظام العربي. رغم ذلك كله، طرأت في الآونة الأخيرة تغييرات دولية وإقليمية جوهرية من شأنها إتاحة فرصة جديدة أمام إمكانية إحياء النظام الإقليمي العربي، وتزويده بالوسائل والأدوات الضرورية التي تمكنه من استعادة حيويته وفاعليته على المسرح الدولي. فعلى الصعيد الدولي، قررت الولايات المتحدة الأمريكية العودة إلى الديار بعد أن هيمنت على النظام العالمي ، كل ذلك جعل قوى دولية أخرى تطمح للمشاركة في إدارة هذا النظام، ما يعني أن النظام العالمي يمر حالياً بمرحلة انتقالية تدفعه إلى التحول من نظام أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب وفي الحقيقة: وبعد أكثر من ثلاثة عقود من الجهود الأمريكية لتأسيس وتعزيز نظام دولي أحادي القطب، ظهرت علامات تدهور النظام الدولي المتمركز حول أمريكا، وتشكيل نظام دولي جديد. ، فالشواهد والوقائع وتطورات المستجدات العالمية، تؤكد أن الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي من جانب، وكل من الصين وروسيا من جانب آخر، يدور على شيء لم يعد قائماً، وهو النظام العالمي الذي تريد واشنطن تعزيزه، وتعمل بكين وموسكو على تغييره. متغيرات اقليمية ودولية أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية تخفيف الكثير من نفوذها العسكري في الخليج لمجابهة التنين الصيني والدب الروسي في آسيا ، وتنصيب دولة الإحتلال القوة المركزية الوحيدة في الشرق الأوسط لتحج كل دول الإقليم عندها ، ومن هذا المنطلق جعلت النفوذ الإيراني حاضرا في العقل العربي ، وأن لا خيار أمامهم الا عقد اتفاقيات مع دولة الإحتلال الصهيوني للدفاع عنها وعن مصالحها ومع أن المطبخ الصهيوني اعتبر اتفاقيات ابراهام إنجازاً سياسياً ، فإن المتغيرات التي أحدثتها هذه الاتفاقيات في عامها الأول كانت أقل من التقديرات التي سادت لدى توقيعها مع الجانب الإماراتي من قبل رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. العالم يتغير ، وجاء الاتفاق السعودي الإيراني، الذي وقّع برعاية صينية، بداية ذوبان جليد تراكم في السنوات الماضية في علاقات البلدين، بوصفه خطوة في اتجاه إنهاء القطيعة الديبلوماسية، والسير في طريق تطبيع تدريجي بينهما، لكنه لن يؤدّي إلى اختراق كبير وسريع، يصل إلى حدّ تجاوز الخلافات السياسية والأمنية الكثيرة بينهما، سواء على الصعيد الثنائي، أو على صعيد أدوار كل منهما في ملفات المنطقة الساخنة التي طالت الأوضاع في اليمن ولبنان والبحرين وسورية والعراق. جاء الاتفاق بعد مرونة أبداها الجانبان، ربما من باب البراغماتية السياسية، خصوصاً أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، سبق وأن أعرب عن أمله في أن "تؤدّي المحادثات مع إيران إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة وإحياء العلاقات الثنائية ، إلا أن بناء الثقة وإحياء العلاقات يحتاج إلى الكثير من أجل حلّ خلافات تراكمت عدة عقود. ومع ذلك، تقف حسابات المصالح المتبادلة وراء علاقات الأنظمة والدول، وتتحكّم في أدوارها على المستويين، الإقليمي والدولي، حيث يريد الساسة في كل من السعودية وإيران إعادة رسم خريطة تموضع بلديهما، بما يضمن تحقيق مصالحهما ، حتى لو استدعى الأمر عقد صفقاتٍ بينهما، والمساومة على ملفات تستنزفهما، خصوصاً على المستويين، الأمني والاقتصادي، حيث إن دوافع القادة في السعودية لا تبتعد عن أولوية حساباتهم الأمنية، وذلك بعد اقتناعهم بعدم جدوى المراهنة على الإدارات الأميركية، خصوصاً، الديمقراطية، في توفير الحماية لأمن بلادهم الوطني، لأنها باتت غير مهتمة بحماية حلفائها في المنطقة، وظهر ذلك جلياً حين تعرّضت منشأتان رئيسيتان تديرهما شركة أرامكو السعودية إلى هجوم بمسيّرات، أدى إلى توقف ما يعادل نصف إنتاج السعودية من النفط تقريباً واذا كانت ثورات الربيع العربي قد ساهمت في ولادة اتفاقيات أبراهام بهدف الإستفراد بالشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، فإن الشعب الفلسطيني العظيم كان ومازال وسيظل بعون الله يدافع عن قضيته ومقدساته وقضايا أمته مهما بلغت التضحيات، لأن الشعب الفلسطيني الذي أثرى الإنسانية بتضحياته ونضالاته حتى اجتثاث المحتل الصهيوني الارهابي النازي ومشاريعه السياسية التي تهدف الى تدمير الأمة ونهب خيراتها واتفاقيات ابراهام إلى مزبلة التاريخ.