البوابة 24

البوابة 24

دروس من البطاطا.. اثر التفصيل والإجمال على اتخاذ القرارات

دروس من البطاطا

اثر التفصيل والإجمال على اتخاذ القرارات

بقلم محمد قاروط ابو رحمه 

(الملخص: لا تقم بالرد على أي (بائع) (او شخص يحدثك) حتى تفهم ما يعنيه هو وليس كما تفهمه أنت مما قاله. وعندما (تبيع) (تتحدث) مع اخرين كن حريصا على أن يفهم مستمعيك حديثك كما هو وليس كما يفسرونه هم).

كنت مقيما في الأردن بضع سنوات قبل العودة إلى أرض الوطن.

كانت زوجتي ترافق والدتي أطال الله في عمرها أثناء التسوق.

كانتا تتسوقان من سوق خضار مخيم حطين.

في يوم كان من ضمن المشتريات بطاطا.

سألتهم كم كيلو البطاطا أجابت والدتي ب ١٧ والرطل بنصف.

سألت كم اشتريتم قالت رطل.

 سالت لماذا رطل؟ قالت ارخص.

سالت ماذا كان البائع يقول؟ أجابت: 

 17 الكيلو، الرطل بنص. 

وسألت هل نحن بحاجة إلى البطاطا؟ قالوا عندنا ما يكفي لكن الرطل بنصف سعر مغري.

 سألت إذا كان سعر كيلو البطاطا ب ١٧ قرش والرطل منه يساوي ٣ كيلو فهذا يعني أن الرطل ب ٥١ قرش والنصف الدينار ٥٠ قرش.

 نظرت كل واحدة في وجه الأخرى وساد الضحك. 

قالت زوجتي: ضحك علينا اشترينا بدون تفكير.

 كيف باع البائع؟ 

البائع نادى على سلعته بإجمال القول وسهولة استيعابه من قبل الشاري.

ينادي البائع: 17 الكيلو، الرطل بنص. 

كيف عالج دماغهم هذا النداء؟

الدماغ يتلقى البيانات الواردة إليه ويخزنها ويعالجها على شكل صور. فهو مثلا لا يخزن حبة البطاطا بالأحرف وإنما بالصور.

لاحظ أن  البائع لم يذكر (اشتري)، (البطاطا)، (سعر)، (قرش)، بذلك اختصر البائع من الجزء الأول من النداء أربعة مفردات.

 ولم يختصر من الجزء الثاني من النداء بل أجمل ثلاثة كيلو برطل وخمسون قرش بنصف دينار. بما أن الجزء الثاني من النداء متمم للجزء الأول فلا يكرر الدماغ (سعر)، (اشتري)، (بطاطا)، (واحد) حيث أنها موجودة في الجزء الأول.

  أول ما يقوم به الدماغ هو التعبئة التلقائية لصور المفردات المفقودة، فيضيف تلقائيا الكلمات الأربعة للجزء الأول من النداء فتصبح في الدماغ كما يلي: ( اشتري بطاطا سعر الكيلو الواحد ب 17 قرش)    

لاحظ أن النداء الأصلي (17 الكيلو) لكن في معالجة الدماغ للنداء يكون النداء مكون من 7 صور كل صورة تمثل كلمة.

 أما الجزء الثاني من النداء فهو (الرطل بنص) فان الدماغ لديه صورة الرطل بشكل مستقل، ولديه صورة نصف دينار بشكل مستقل، لذلك هو يعالج الرطل بنص كمفردات مستقلة، ولأنه نصٌ تابع للنص الأول ومتتم له اكتمل المفقود من المفردات منه في الجزء الأول.   

لاحظ أن استخدام وحدة الوزن ووحدة السعر اختلفت. الدماغ يعرف أن الرطل يساوي كيلو+ كيلو+كيلو وان نصف الدينار هو 17+17+17 ناقص قرش لكنه يتكاسل عن القيام بهذه العملية لان إتمام عملية التفكير تتطلب منه إضافة 7 مفردات مفقودة إضافة إلى إعادة وحدة الرطل إلى وحدة كيلو وجمعها، وإعادة وحدة نصف إلى قروش وجمعها.      

فالرطل أسهل استيعابا وفهما من قبل الشاري من ثلاثة كيلو رغم أنهم نفس الوزن. ونصف استهل استيعابا من خمسون قرش.

تحليل ما نسمعه إلى مكوناته الأولى عملية ليست سهلة لان عقل الإنسان مدرب على الاختصار واستدعاء الأسهل من مخزونه المعرفي لمعالجة ما يسمعه او يشاهده.

كما لاحظنا أن سعر ثلاثة  كيلو البطاطا هو نفس سعر رطل البطاطا ناقص ١ على خميسين إلا أن عملية استيعابهما لسعر نصف أسهل وأكثر قبولا من ٥٠ قرش او ٥١. 

تعلمت من هذه التجربة أن كل إجمال في التعبير اسمعه او أقرأه علي واجب أن افككه إلى عناصره الأولى ثم أتفاعل معه. 

 وتعلمت الإجمال حيثما يجب والتفصيل حيثما يجب.

أمثلة:  

1- مصطلح التنسيق الأمني.

نواجه يوميا بهذا المصطلح، من الأعداء والخصوم والمنافسين. مصطلح يراد من استخدامه اتهامنا بالعمالة، والدونية وزعزعة الثقة بأنفسنا وبمؤسساتنا. هذا تعبير مجمل. 

عندما يستمع بعضنا لهذه المصطلح او يُهاجم به، فان أول ما يقوم به الدماغ هو تحويل النص الإجمالي إلى تفصيلي، ثم  إعطاء تفسير لهذا الإجمال، ثم الرد على المتحدث.

 إذا سمحت لدماغك أن يسير على هذا النحو من التفكير فانك قد اشتريت البطاطا مثل والدتي وزوجتي. 

وإذا قمت بإعطاء تفسيرك الخاص للتنسيق الأمني فانك اشتريت البطاطا. 

ما العمل؟ ما الذي يجب ان اقوم به؟

التنسيق الأمني له مفهوم، أول ما يجب أن تقوم به هو عدم السماح لدماغك أن يفسر للمتحدث  مفهومك للتنسيق الأمني.

والخطوة الثانية أن تسال محدثك السؤال التالي:

ما هو تعريفك ومفهومك للتنسيق الأمني؟

استمع لإجابته وطالبه أن يفصل ويقدم أدلة. 

 ثق تماما سيسقط ولن يكمل الحوار.

2- لماذا تعتقل السلطة المقاومين؟

عندما نواجه مثل هذا السؤال او ما يجب القيام به هو تفكيك السؤال ثم  اعد صياغة السؤال في ذهنك، ثم أعد تركيبه بطريقتك ومن خلال إعادة تركيب نفس السؤال اسأل نفسك الأسئلة التالية: 

ما هي واجبات قوى الأمن؟

من يحدد من هو المقاوم؟

أيهما أكثر دقة بتحديد من هو المقاوم رجال الأمن او الإعلام؟

ما هي التجارب بهذا الأمر؟

عندما تفكك السؤال الملغوم فستكون إجابتك كما يلي:

إذا اعتقلت قوات الأمن أيا كان فهي على صواب حتى يثبت العكس، لان مسؤوليتها حفظ الأمن والنظام العام.

 وقوى الأمن قوى مشكلة وفق القانون وتقوم بواجباتها وفقا له.

وقوى الأمن تخضع للمسائلة.

والقانون يعطي الحق لأي متضرر من تصرفات قوى الأمن باللجوء إلى القضاء.

لا يعفى من يوصف بالمقاوم من الاعتقال أبدا. 

دلت التجربة على حجم الاختراقات الذي أحدثها الشاباك والموساد في صفوف الحركات الاسلاموية والوطنية وبعضهم سمي بالقائد المقاوم.

 لو افترضنا أنه مقاوم، فهناك احتمال أن يرتكب مخالفات (كونه إنسان) تستدعي اعتقاله. كما واجهنا حالات جنائية وقتل وثار شخصي ترتكب من أشخاص لهم تاريخ نضالي معروف ومشرف فهل هذا يحميهم من الاعتقال والمثول أمام القضاء.  

3- يستخدم الاحتلال مصطلح مستوطنات غير قانونية لترسيخ فكرتين: الأولى أن هناك مستوطنات قانونية والثانية هو صاحب الحق بإضفاء صفة القانونية على أي مستوطنة.

بكلمة واحدة كل الاستيطان الاستعماري أدوات الاحتلال. 

4- نحن أيضا نخطئ عندما نقول أن الاحتلال يسرق او يحتجز أموالنا بغير حق. هذا يعني أن بعض الأموال المسروقة او المحجوزة يمكن أن يكون احتجازها على حق، وتركنا تحديد صاحب الولاية على تحديد الحق لمن لا يملكه.

تعلمت من حادثة البطاطا الشيء الكثير وهذا جزء مما تعلمته. 

لا تقم بالرد على أي (بائع) (او شخص يحدثك) حتى تفهم ما يعنيه هو وليس كما تفهمه أنت مما قاله. وعندما (تبيع) (تتحدث) مع آخرين كن حريصا على أن يفهم مستمعيك حديثك كما هو وليس كما يفسرونه هم.

البوابة 24