البوابة 24

البوابة 24

خمسون عاماً على حرب أكتوبر

بقلم: محمد جهاد اسماعيل

توافق هذه الأيام مرور خمسين عاماً على حرب أكتوبر ١٩٧٣، أو حرب تشرين التحريرية بحسب السردية السورية، وحرب يوم كيبور بحسب السردية الإسرائيلية. ورغم مرور خمسين عاماً، إلا أن كثيراً من أحداث هذه الحرب وتفاصيلها، ما زالت مجهولة ويكتنفها الغموض. نعم كُشِف الغطاء خلال السنوات الأخيرة عن آلاف الوثائق المتعلقة بالحرب، ونُشِرت آلاف المذكرات لساسة الحرب وضباطها ومقاتليها، إلا أننا ما زلنا، إزاء كم كبير، من أسرار والغاز وخبايا هذه الحرب. وهذه هي الحرب التي طالما أثارت الجدل، وأثيرت حولها الآراء المتناقضة.

فثمة من رآها حرباً تحريكية تكتيكية، وثمة من رآها حرباً تحريرية لم تحقق كامل أهدافها. أيضاً طالما أثير الخلاف حول تحديد الطرف الخاسر والمنتصر، فثمة من رأى العرب هم المنتصرين في هذه الحرب، وثمة من رآهم خاسرين. أنا بدوري سألجأ إلى لغة كرة القدم، لأستعير منها مفردة (تعادل) وأصف بها نتيجة الحرب. نعم لقد انتهت الحرب بلا خاسر ولا منتصر، بل انتهت بتعادل الاسرائيليين والعرب، فالشق الأول منها شهد غلبة واضحة للعرب، فيما انتقلت الغلبة في الشق الثاني لإسرائيل. لا يمكن قراءة هذه الحرب ضمن إطارها الإقليمي الضيق، بل ينبغي قراءتها ضمن الإطار الدولي الأشمل والأوسع.

فالقتال لم يكن منحصراً بين العرب وإسرائيل فحسب، بل انخرطت فيه - بشكل مباشر أو غير مباشر- العديد من القوى الدولية، وعلى رأسها القوتان العظميان الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. لقد كانت هذه الحرب واحدة من أسخن جبهات الحرب الباردة، وأثرت نتائجها بشكل كبير، على مسار ومصير الحرب الباردة. في أواخر أغسطس ١٩٧٣، اجتمع كبار الضباط السوريين والمصريين، في مقر قيادة البحرية المصرية بالإسكندرية.

واتفق الضباط في هذا الاجتماع السري للغاية، على نحو ٩٠% من تفاصيل الهجوم المشترك والمتزامن على جبهتي الجولان وقناة السويس. لم يتفقوا في هذا الاجتماع على تحديد تاريخ الهجوم، وتجادلوا كثيراً حول ساعة الصفر (أرادها السوريون مع الضياء الأول لشروق الشمس وأرادها المصريون وقت الظهيرة)، وظلت هذه المسائل عالقة، إلى أن حسمها الرئيسان الأسد والسادات.

لم يأت نجاح العرب في مباغتة إسرائيل وإيلامها في بداية الحرب من فراغ، بل جاء بمساعدة عدد من العوامل والأحداث. ففي الأسابيع القليلة التي سبقت الحرب، نجح المصريون والسوريون في تضليل إسرائيل، عبر خطط الخداع التي نفذوها بكل براعة. وفي ذات الوقت، راحت أجهزة المخابرات الإسرائيلية تتعامل باستخفاف وتهاون، مع التقارير التي تردها من عملائها، حول استعدادات العرب لهجوم أكيد ووشيك. وجاء النصر الكبير لسلاح الجو الإسرائيلي على نظيره السوري - في معركة ١٣ سبتمبر ١٩٧٣ - ليضلل الإسرائيليين، ويصيبهم بتخمة من الغطرسة والغرور، فَغَشَتهم الثقة المفرطة، وظنوا أنه ليس بوسع العرب أن يجابهوهم على الإطلاق. عند الثانية ظهراً، من ٦ أكتوبر ١٩٧٣، اندلع الهجوم العربي الكاسح على جبهتي الجولان وقناة السويس، إذ هتفت المدافع العربية بعشرات آلاف القذائف، وأغارت مئات المقاتلات على أهدافها المنتقاة بدقة، وتدفق المشاة والمغاوير والمظليون بجسارة وسرعة، عبر الخطوط الدفاعية للإسرائيليين. خلال ساعات قليلة، نجحت القوات المصرية في كسر خط بارليف، لتعبر للضفة الشرقية لقناة السويس، بعدد كبير من مشاتها ودروعها. وعلى الجبهة الشمالية، كانت القوات السورية قد عبرت مساحات واسعة، وأمسكت مواقع استراتيجية في قلب الجولان المحتل.

تواصل الهجوم العربي خلال الأيام الأولى للحرب، وتمت عرقلة الهجوم الإسرائيلي المضاد. لقد تكبد الإسرائيليون خسائر فادحة ومروعة، فعلى الجبهة المصرية وحدها، وخلال ثلاثة أيام، تمكنت أطقم قنص الدبابات وقذائف المالوتكا من إبادة مئات الدبابات الإسرائيلية. وقد أكد ضابط إسرائيلي رفيع على مدى فداحة هذه الخسائر: (بحلول ٩ أكتوبر ١٩٧٣، لم يتبق لدينا سوى خمسين دبابة فقط، في المسافة الفاصلة بين الجيش المصري وتل أبيب)!. اعتبر الإسرائيليون أن التفوق العربي الذي تحقق في بداية الحرب، هو بمثابة (تهديد وجودي) لدولتهم، وبناءً على ذلك بدأوا فعلاً بالتفكير، في استخدام (خيار شمشون)، أي السلاح النووي، ضد العرب. قام سلاح الجو الإسرائيلي بتسليح بعض مقاتلاته بقنابل نووية، ووضعها في تمام الجهوزية القتالية، كما زُودت بعض الصواريخ أرض - أرض برؤوس حربية نووية، وفُتحت صوامع هذه الصواريخ وهُيئت للإطلاق. لقد كان الإسرائيليون جادين جداً في تحضيرهم لضربة نووية تطال القاهرة ودمشق. كان دايان أبرز المتحمسين لتوجيه هذه الضربة، وكانت جولدا مائير أبرز المعارضين.

وقد أُلغيت الضربة في نهاية المطاف، بسبب كثرة الرافضين لها داخل الحكومة الإسرائيلية، ومع وعد الحكومة الأمريكية بالمساعدة العاجلة وإنفاذ الجسر الجوي. ثمة وجهة نظر تقول، إن الإسرائيليين تراجعوا عن فكرة الضربة النووية، خوفاً من تعرضهم لضربة نووية مصرية انتقامية. فقد رست عند الإسكندرية سفن حربية سوفياتية على متنها رؤوس نووية، وكان بوسع الصواريخ المصرية، أن تحمل هذه الرؤوس إلى قلب إسرائيل. وقد ذهب بعض العسكريين السوفييت في مذكراتهم بعيداً، حين ادعوا، أن جيشهم كان سيتولى بنفسه، توجيه تلك الضربة النووية الانتقامية لإسرائيل!. دشنت الولايات المتحدة الجسر الجوي، لتنقذ إسرائيل وتمدها بالسلاح، وأُطلق على هذه العملية اسم كودي هو (عُشب النيكل). على مدى أيام بل أسابيع، استنفرت واشنطن طائراتها النقل العملاقة، لتنقل لإسرائيل آلاف الأطنان، من المدرعات، والمدافع، والذخائر. ونظراً لطول مسافة الطيران بين البر الأمريكي وإسرائيل، فإن هذا الجسر لم يكن لينجح، لولا الخدمات اللوجستية وخدمات التموين بالوقود، التي قدمتها البرتغال واليونان وهولندا للطائرات الأمريكية. مثلت عملية (عُشب النيكل) في بداياتها نقطة تحول، وانعطافة حادة، في مسار الحرب. فقد أدى كم العتاد الرهيب الذي تدفق عبر الجسر الجوي، إلى تغير الموقف على جبهتي القتال. بحيث انتقل العرب من الهجوم إلى الدفاع، ثم الدفاع غير المدروس، والتقهقر. تدريجياً ساء الوضع الميداني أكثر وأكثر مع دنو الأرتال الإسرائيلية من مشارف دمشق الجنوبية، ومع توغل قوات شارون عبر ثغرة الدفرسوار وحصارها الجيش الثالث الميداني. لم يأت التقهقر العربي نتيجة للجسر الجوي الأمريكي فحسب، بل جاء أيضاً بسبب سوء تقدير الموقف، لا سيما على الجبهة المصرية، فقد ارتكبت القيادات المصرية (سياسية وعسكرية) جملة من الأخطاء القاتلة والكارثية.

في ذروة احتدام القتال على جبهتي الحرب، كان شرق المتوسط - بسطحه وأعماقه - يمور بالقطع الحربية التابعة للأسطول الأمريكي السادس والأسطول السوفياتي الخامس. فعدا عن دورها المتمثل في الإمداد، والاستطلاع، والحرب الالكترونية، كانت هذه القطع الحربية، على أهبة الاستعداد للتدخل المباشر، في حال أتتها الأوامر بذلك. من ضمن الفوائد التي جناها السوفييت في هذه الحرب، أنهم شاهدوا - وقيموا - أداء عدد من أسلحتهم الحديثة في بيئة قتال حقيقية. وقد تمكنوا كذلك من وضع أيديهم، على عدد من الأسلحة الغربية المتطورة. فقبل انقلاب الموقف على جبهتي القتال، كان الجيش السوفياتي قد أرسل بعض وحداته الخاصة، لتنغمس خلف خطوط الجيش الإسرائيلي، ليس للقتال من أجل العرب، ولكن لافتكاك بعض الأسلحة المتطورة من قبضة الإسرائيليين. لقد غنِم السوفييت غنائم كثيرة، من ضمنها طائرة مُسيرة مُتقدمة، ودبابتان سنتوريون بريطانيتا الصنع، ودبابة إم ٦٠ أمريكية الصنع، لم تسر منذ خروجها من المصنع سوى ١٠٠ كيلومتراً فقط. لقد حُملت هذه الغنائم كلها على متن طائرات نقل عملاقة، ونُقلت إلى موسكو، لتجري هناك دراستها ويجري فك أسرارها. أرادت واشنطن في المقابل أن تحفظ ماء وجه صناعتها العسكرية، وأن ترد الاعتبار لسلاحها في مواجهة السلاح السوفياتي. ففي حرب فيتنام، مُني السلاح الأمريكي بهزيمة مُذلة، وقد بلغت ذروة ذلك الاذلال في أواخر ١٩٧٢، حين أسقط الفيتناميون، عشرات، من قاذفات بي ٥٢ العملاقة، بواسطة منظومات الدفاع الجوي سوفياتية الصنع. لم تهرع واشنطن بأحدث ما لديها من سلاح عبر جسرها الجوي، لأجل غوث إسرائيل وحسب، بل أيضاً رغبةً في الانتقام من السلاح السوفياتي. لقد شهدت هذه الحرب أول استخدام عملياتي لصواريخ سكود السوفياتية. ففي ٢٢ أكتوبر، أطلق الجانب المصري ثلاثة صواريخ سكود (صاروخ استهدف مطار العريش، وصاروخين استهدفا الأرتال الإسرائيلية في ثغرة الدفرسوار). ولطالما قللت إسرائيل من فاعلية هذه الضربات الصاروخية الثلاث، ولطالما أنكرت تكبدها أية خسائر بشرية فيها.

ظهرت في السنوات الأخيرة تسريبات، تكشف تأثير أحد الصاروخين اللذين استهدفا ثغرة الدفرسوار. بحسب التسريبات كان الصاروخ دقيقاً جداً ومؤثراً، فقد أصاب قافلة شاحنات إسرائيلية محملة بالذخائر، وأوقع دماراً هائلاً بالمكان، وقتل سبعة جنود إسرائيليين!. ثمة رواية تقول أن الصواريخ الثلاثة أُطلِقت بأيدي سوفياتية مائة بالمائة، وأنها لم تُطلَق إلا بموافقة وزير الدفاع السوفياتي غريشكو. فصواريخ سكود التي بحوزة القاهرة هي سلاح فارق وحساس (بإمكانه ضرب كافة المدن الإسرائيلية)، ولا يملك المصريون استخدامه دون موافقة السوفييت. أيضاً ربما لم تكن لدى المصريين القدرة الفنية الكافية، لاستخدام هذه الصواريخ، لا سيما وأنها وصلتهم من الاتحاد السوفياتي قبل الحرب بشهرين فقط. مثلما شهدت هذه الحرب، أول استخدام عملياتي لصواريخ سكود، فقد شهدت أيضاً، أول معركة في التاريخ طرفاها زوارق صواريخ (معركة اللاذقية البحرية).

كما وشهدت أكبر تمهيد نيراني في تاريخ الحروب، وذلك عندما أطلقت المدافع المصرية والسورية مئات آلاف القذائف في غضون دقائق قليلة (فقط في الدقيقة الأولى من التمهيد النيراني، أطلقت المدافع المصرية عشرة آلاف قذيفة). وشهدت هذه الحرب - فوق رمال سيناء - أضخم معركة دبابات منذ معركة كورسك في الحرب العالمية الثانية. وشهدت واحدة من أكبر المعارك الجوية في التاريخ (معركة المنصورة الجوية). شاركت بعض الدول بإرسال قوات إلى جبهتي القتال، وحاربت إلى جانب مصر وسوريا. أتت هذه المشاركات في أغلبها من بلاد عربية، وكانت في أغلبها مشاركات رمزية، أي ليست ذات تأثير بارز في مجريات القتال. شارك العراق بدفع كم كبير من تشكيلاته المدرعة إلى سوريا، فأسهم في رد الإسرائيليين عن دمشق، وشارك على الجبهة المصرية بسرب مقاتلات هوكر هنتر. أيضاً شاركت المقاومة الفلسطينية وقاتلت ببسالة على الجبهتين. والتحقت أيضاً بالقتال قوات سعودية، وقوات من الأردن، والمغرب، والجزائر، وكوبا، وكوريا الشمالية. في مقابل الجسر الجوي الأمريكي، دشنت موسكو جسراً جوياً - بحرياً، لنقل الامدادات الحربية العاجلة إلى مصر وسوريا.

وقد نقل هذا الجسر - على امتداد أيام الحرب - آلاف الأطنان من الأسلحة والذخائر. وتلقى العرب - إلى جانب الجسر السوفياتي - بعض امدادات السلاح من دول صديقة، مثل ألمانيا الشرقية. لم يكن الجسر السوفياتي فارقاً ومؤثراً في مجريات القتال مثلما كان الجسر الأمريكي. ربما كان الجسر الأمريكي أكثر تنظيماً، وأكثر تلبية لحاجات الجهة المُرسل إليها، وقد تكون الأسلحة التي نقلها أكثر تطوراً وأفضل من حيث النوعية. وربما تكون المشكلة في العرب أنفسهم وليس في الجسر السوفياتي، فلربما لم يحسنوا الاستفادة من الجسر السوفياتي مثلما استفاد الإسرائيليون من الجسر الأمريكي. إضافة إلى اشتراكهم في القتال على جبهتي الجولان وقناة السويس، فتح الفلسطينيون جبهة ثالثة من جنوب لبنان. ففي ٩ أكتوبر، أطلقت المقاومة الفلسطينية نحو أربعين صاروخ كاتيوشا على المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للحدود اللبنانية. وفي الأيام التالية لعملية القصف، واصلت المقاومة غاراتها ونوعت من أساليبها القتالية (قنص، اقتحام، تفجير ألغام).

لقد أوقعت هذه الغارات خسائر بشرية في صفوف الإسرائيليين (جيش ومستوطنين)، وشكلت - إلى جانب عمليات الفدائيين المتزامنة في الضفة وغزة - اختراقاً واستنزافاً للجبهة الداخلية الإسرائيلية. نعم كانت الجبهة الثالثة التي فتحها الفلسطينيون ضئيلة ومحدودة، إلا أنها كانت مزعجة ومؤلمة. وقد أراد قائد الأركان الاسرائيلي اليعازر تحريك قوات إضافية، لردع الفدائيين على هذه الجبهة، لكن دايان رفض ذلك بشدة، بحجة عدم الإخلال بقوة الجيش الإسرائيلي على جبهة الجولان. بدأت الحرب على الجبهتين في وقت واحد، وفي نفس الدقيقة تقريباً، لكنها لم تنته كذلك. لقد أنهت كل من مصر وسوريا الحرب، لوحدها منفردة، وعلى طريقتها. فعند صدور قرار وقف اطلاق النار يوم ٢٢ أكتوبر، كانت ثمة ثغرة إسرائيلية في صفوف المصريين وأخرى في صفوف السوريين، ولم تنته الحرب فعلياً إلا بعد أسابيع وأشهر من القتال، قاتل فيها العرب لطرد الإسرائيليين من هاتين الثغرتين. كشف العرب أرقام خسائرهم الحقيقية في هذه الحرب، وهذا ما لم تفعله إسرائيل، فقد جرت العادة في كل النزاعات التي يشارك فيها الجيش الإسرائيلي، أن تقلل تل أبيب من أرقام خسائرها. حتى لو نظرنا للأرقام المعلنة، فإننا سنجدها باهظة وعالية، فخسارة إسرائيل في الحرب لثلاثة آلاف مقاتل، وإصابة ٩ آلاف آخرين بجراح (عدد سكانها آنذاك ٣ مليون نسمة)، تعني أنها خسرت ألف قتيل من كل مليون نسمة، و٣ آلاف جريح لكل مليون نسمة. وهذه خسائر فادحة وفق متوسطات أرقام خسائر الحروب. نعم بدأت الحرب بتفاهم وتنسيق مصري - سوري، لكنها لم تنته كذلك. فقد انتهت الحرب بخلاف عميق بين الجانبين، وكلٌ يلوم الآخر ويتهمه بالتقصير في أداء الواجب وعدم تنفيذ الخطط المتفق عليها. في الأشهر والسنوات التالية لانتهاء الحرب، أخذ الخلاف السوري المصري يحتقن أكثر وأكثر، ليترسخ في التوجهات السياسية للبلدين.

لقد تقرب السادات للولايات المتحدة، فيما ظل الأسد حليفاً للسوفييت، وخاض السادات تجربة السلام مع إسرائيل، فيما انضمت دمشق لجبهة الصمود والتصدي. تختلف هذه الحرب كلياً عن الحروب العربية الإسرائيلية السابقة لها (١٩٤٨، ١٩٥٦، ١٩٦٧)، وهي تمثل نقطة تحول في مسار الصراع العربي الإسرائيلي. في هذه الحرب كان العرب - للمرة الأولى - هم البادئين بالهجوم. وكان المقاتل العربي متمكناً، واثقاً من نفسه، واثقاً من قدرته وسلاحه. وفي هذه الحرب دفعت إسرائيل فاتورة باهظة من الخسائر، لم تدفع مثلها من قبل. لقد تجرأ العرب في هذه الحرب، على الجيش الإسرائيلي، وحطموا أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، نعم لم ينتصروا عليه، لكنهم أخرجوه من حلبة النِزال بوجهٍ متورمٍ ودامٍ. كُتبت مئات الكتب والدراسات التي توثق لهذه الحرب وتكشف خباياها. وأغلب ما كُتب حول هذه الحرب هو من تأليف الإسرائيليين، والغربيين، والسوفييت، أما العرب فإسهاماتهم للأسف قليلة. لم يعط الباحثون العرب هذه الحرب، حقها الذي تستحقه، من التقصي والدراسة والتأريخ والتدوين، المصريون مقصرون في توثيق كثير من تفاصيل الحرب على جبهتهم، والسوريون مقصرون أكثر وأكثر فيما يتعلق بجبهتهم. لقد مضى خمسون عاماً على حرب أكتوبر، وتاريخها الوافي، لم يكتبه العرب بعد. بقلم: محمد جهاد إسماعيل

البوابة 24