بقلم: شفيق التلولي
عملية تحرير أسيرين إسرائيليين في رفح تهدف إلى استعادة الثقة بالمنظومة الأمنية والعسكرية التي تداعت إثر السابع من أكتوبر من جهة ومن جهة أخرى تعطي مجلس الحرب الإسرائيلي ذريعة لاستكمال المرحلة الرابعة واجتياح رفح وتعفي الحكومة من الضغط الداخلي والخارجي لوقف الحرب التي يعدها رئيس الحكومة وصفة لبقائها وتذكرة مرور آمنة من سجل الحساب الذي سينفتح أمامه في اليوم التالي للحرب؛ لذلك فإن نجاح الجيش في تحرير هذين الأسيرين يثير التخوفات من إقدامه على شن عملية برية واسعة في رفح بعد إثبات الإدعاءات حول الأهداف التي سوقت لها الحكومة والإفلات من مطالبات الفاعلين الدولييين بعدم شن عملية عسكرية في رفح.
لعل هذا ما دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تغيير لغته إزاء تلك العملية خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع بنيامين نتنياهو حيث إنه وكما يبدو كان قد أعطاه الضوء الأخضر للشروع بها هذا ما جاء بلسان ناطق باسم الجيش، كذلك فإن عملية نوعية كتلك كان ثمنها مائة فلسطيني وفلسطينية في رفح فما بالك لو قام بتنفيذ عمليته البرية التي يعتزم الشروع بها.
ثم إن تلك العملية الخاطفة التي نفذها الجيش في الساعات الاولى من فجر اليوم تضع الأطراف الأخرى والفاعلة في المشهد والمؤثرة في القرار الإقليمي مثل جمهورية مصر العربية التي ترفض شن عملية برية في رفح بمحاذاة حدودها كما رفضت وما زالت ترفض تهجير الفلسطينيين إلى خارج ديارهم أمام خيارات صعبة، فهي إما أن تدفعها إلى المواجهة أو إلى التغاضي عن ذلك، وربما الخيار الأول هو الأرجح حتى وإن أرادت "إسرائيل" إحراجها أمام العالم عبر إثبات صحة ما تدعيه من أهداف عسكرية كتحرير الأسرى وضرب شبكة الأنفاق وتقويض قدرات المقا.و.مة.
أي كان الأمر فإنه سيدفع الإدارة الأمريكية بالنهاية لاتخاذ قرار إما أن توقف تلك الحرب وتلجم حكومة "تل أبيب" وإما أن تستمر في دعمها ودعم الحرب غير تدرك أنها في القرار الأول تخسر أصوات الناخبين اليهو.د والصها.ينة وفي القرار الثاني ستخسر أصوات العرب والمسلمين وغيرهما فضلا عن تمدد الحرب وخسارتها لدول فاعلة ومؤثرة كمصر بما تمثل من عمق إستراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي ودورها الحيوي في المجال العربي.
لم يعد للبيت الأبيض من مجال للتحول في الخطاب الأمريكي الذي يبنى بلسانين ويوجه بلغتين متناقضتين، فالتحول في خطاب إدارة بايدن تغيرا شكليا وليس جوهري المضمون الذي يؤيد "تل.أبيب" وينحاز إليها بل ويشاركها أيضا، وربما هذا هو سبب فشل جولات وزير خارجيته أنتونيو بلينكن المكوكية التي لم تأت أكلها بعدما سمعه من قادة الدول المؤثرة في المنطقة التي ترفض تلك الحرب وما ترمي إليه من قتل وتدمير وتهجير.
يبدو أن الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية في سباق مع الزمن المتبقي لموعد الانتخابات الأمريكية حيث تحاولان إنجاز أهداف الحرب وصولا إلى رفح التي ستجر إلى ما لا يحمد عقباه أو عدم قدرتهما على تحقيق تلك الأهداف وانفصال الموقف الأمريكي عن الموقف الإسرائيلي، فالكرة الآن في ملعب الحديقة الخلفية للبيت الأبيض الذي عليه أن يحدد وجهته بذلك يتحدد مسار النظام الدولي ويضبط المسار الإقليمي، في جميع الحالات فإن رفح ستكون في عين العاصفة ما بين الحسابات والأهداف.
القاهرة في/
٢٠٢٤/٢/١٢م