بقلم: مروان أميل طوباسي
مع اقتراب الانتخابات التشريعية الفرنسية المبكرة التي ستجري الجولة الاولى منها غدا الأحد والثانية بالسابع من الشهر القادم تموز ، التي دعا إليها الرئيس ماكرون، تزداد المخاوف من تداعيات نتائجها على القارة الأوروبية. تأتي هذه الانتخابات بعد تصاعد قوة اليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي، مما يثير تساؤلات حول مستقبل السياسات الداخلية والخارجية لفرنسا وأثرها على الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، والقضايا الدولية مثل الحرب في أوكرانيا والقضية الفلسطينية تحديدا .
-- تداعيات فوز جبهة اليسار الموحدة .
في حال فوز جبهة اليسار الموحدة "الجبهة الشعبية الجديدة"، والتي تشير الاستطلاعات إلى حصولها على 32% من الأصوات، فقد يشهد الاتحاد الأوروبي تحولات جذرية. تهدف الجبهة إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، تخفيض التقشف المالي، وتحسين سياسات الهجرة ورفع الضرائب على الأثرياء. على الصعيد الداخلي، قد يؤدي ذلك إلى تبني سياسات أكثر توازناً تهتم بحقوق الإنسان وقضايا اللاجئين.
* على صعيد السياسات الداخلية .
إذا نجحت جبهة اليسار الموحدة في الانتخابات، من المتوقع أن تركز على سياسات تعزز العدالة الاجتماعية داخل فرنسا. سيتضمن ذلك إجراءات لتقليل الفجوة الاقتصادية بين الطبقات الاجتماعية، تحسين خدمات الصحة والتعليم، وتعزيز حقوق العمال. قد تسعى الجبهة أيضاً إلى إدخال إصلاحات في نظام الضرائب، بحيث يدفع الأثرياء نسبة أكبر من الضرائب لتمويل الخدمات العامة.
* العلاقات مع الولايات المتحدة.
أما بالنسبة للعلاقات مع الولايات المتحدة، فقد تسعى الجبهة اليسارية إلى استقلالية أكبر في السياسة الخارجية والتجارة، مما قد يقلل من الاعتماد على التحالفات التقليدية ويدفع نحو بناء شراكات متعددة الأقطاب. هذا التوجه يمكن أن يؤثر على التنسيق الدفاعي مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، خاصة إذا سعت الجبهة إلى تقليل الالتزامات العسكرية الخارجية لفرنسا.
* بشأن الحرب في أوكرانيا .
فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، تتبنى جبهة اليسار موقفاً أقل تشدداً تجاه روسيا، مما قد يؤثر على الجهود الأوروبية الموحدة لدعم أوكرانيا. هذا التوجه قد يضعف موقف الاتحاد الأوروبي تجاه روسيا ويؤدي إلى تناقضات داخلية بين الدول الأعضاء، مما يقوي الموقف الروسي في مواجهة الولايات المتحدة.
* وعلى صعيد القضية الفلسطينية .
وفيما يخص القضية الفلسطينية، من المتوقع أن تكثف جبهة اليسار الضغوط على الحكومة الفرنسية لاتخاذ مواقف أكثر تأييداً لحقوق الشعب الفلسطيني. قد تشمل هذه المواقف دعم فعلي لحل الدولتين على حدود 1967 والاعتراف بالدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى تعزيز المقاطعة وتأييد إجراءات عقابية ضد إسرائيل في مجال توريد الأسلحة والمواقف في المنظمات الدولية. قد يؤدي ذلك إلى تحول ملحوظ في السياسة الخارجية الفرنسية تجاه الشرق الأوسط. لكن من الممكن ان تبرز خلافات بين مكونات جبهة اليسار التي تضم الاشتراكيين والشيوعيين وانصار البيئة وحزب فرنسا الأبية نظرا لازمة هوية اليسار الأوروبي منذ سنوات .
-- تداعيات فوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف .
في حال فوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان وشريكها جوردان بارديلا ٢٩ عاما ، والذي تشير الاستطلاعات إلى تقدمه بحوالي 36% من الأصوات، فقد يسعى الحزب إلى تقليل التزامات فرنسا تجاه مؤسسات الاتحاد الأوروبي واستعادة المزيد من السيادة الوطنية. هذا الموقف قد يؤدي إلى أزمات داخلية في الاتحاد وزيادة التوتر مع الدول الأعضاء، مما يسهم في تصاعد حركات اليمين المتطرف في جميع أنحاء أوروبا.
*في السياسات الداخلية.
من المتوقع أن يسعى حزب التجمع الوطني إلى تنفيذ سياسات قومية تعزز من سيادة فرنسا وتقلل من تأثير الاتحاد الأوروبي على القرارات الوطنية. قد يشمل ذلك تقليص ومناهضة الهجرة وتشديد الإجراءات الأمنية داخل البلاد. كما قد يسعى الحزب إلى إعادة النظر في العديد من الاتفاقيات الأوروبية التي يعتبرها تقييداً لسيادة فرنسا.
* العلاقات مع الولايات المتحدة .
على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة، قد تصبح هذه العلاقات معقدة إذا تبنى اليمين المتطرف سياسات قومية وانعزالية تتعارض مع التوجهات الأمريكية في أوروبا. رغم ذلك، قد تجد لوبان وبارديلا حلفاء لها من التيارات اليمينية داخل الولايات المتحدة، مما قد يخفف من بعض التوترات في حال فوز ترامب بالرئاسة.
* الحرب في أوكرانيا .
فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، من المتوقع أن يدعم اليمين المتطرف الجهود الأوروبية الموحدة لدعم أوكرانيا وفق سياسات الولايات المتحدة والناتو، مما لن يضعف موقف الاتحاد الأوروبي تجاه روسيا. قد يؤدي هذا التوجه إلى تعزيز التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، مع التركيز على القضايا الأمنية المشتركة.
*الموقف من القضية الفلسطينية.
وفيما يخص القضية الفلسطينية، من المتوقع أن تتبنى لوبان واليمين سياسات أكثر دعماً لإسرائيل، مما قد يؤدي إلى تراجع الدعم الفرنسي التقليدي لحل الدولتين والمبادرات السلمية في الشرق الأوسط. قد يؤدي هذا التغير إلى تصاعد التوترات في المنطقة ويعقد من الجهود الدولية لتحقيق السلام.
-- صراع الحضارات ونظرية الأستبدال.
يعتقد زعماء اليمين المتطرف في فرنسا ودول أوروبية أخرى أن "الحضارة الغربية" مهددة من قبل الإسلام، وأن "السكان الأصليين" مهددون من قبل المهاجرين. هذا الفكر العنصري يعبر عن دعمهم لصراع الحضارات ونظرية الاستبدال، وهو توجه تتبناه الصهيونية الدينية وبعض الليبراليين الذين يسعون إلى الاستبدال الاستعماري في الأراضي الفلسطينية لكن بشكل معاكس بالطبع ، الا انه يعبر عن تماهي ايدولوجي بين اليمين المتطرف الأوروبي والصهيونين , الامر الذي دفع نتنياهو لاحتضان العديد من زعمائهم مؤخرا .
-- إضعاف مكانة الرئيس الفرنسي ماكرون.
سواء بفوز اليمين المتطرف أو جبهة اليسار الموحدة، سيواجه الرئيس ماكرون وحزبه تحديات كبيرة في تشكيل التحالفات البرلمانية لضمان استمرار حكمه بفعالية. في حال فوز اليمين المتطرف، من غير المرجح أن يتحالف ماكرون معهم نظراً للاختلافات الأيديولوجية الكبيرة. أما إذا فازت جبهة اليسار، فقد يسعى ماكرون إلى التحالف معهم لضمان استقرار حكمه.
إذا فاز اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان وبارديلا، فإن موقف الرئيس ماكرون وحزبه "الجمهورية إلى الأمام" سيصبح حساساً للغاية. من غير المرجح أن يتحالف ماكرون، وهو نيوليبرالي من اليمين الوسط، مع حزب لوبان اليميني المتطرف نظراً للاختلافات الأيديولوجية الكبيرة بينهما، وتحديداً فيما يتعلق بالسياسات الأوروبية والهجرة والاقتصاد والأقليات، خاصة من المسلمين.
بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، سيسعى ماكرون إلى ضمان استقرار حكمه حتى الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2027 من خلال تحالفات تكتيكية. الاتجاه الذي قد يسلكه يعتمد بشكل كبير على النتائج النهائية للانتخابات وتوزيع المقاعد في البرلمان. قد يتجه ماكرون إلى لعب دور المعارضة القوية لسياسات اليمين المتطرف في حال فوزهم ونجاحهم في تشكيل الحكومة، محاولاً توحيد القوى المعتدلة واليسارية داخل البرلمان لمواجهة سياسات لوبان واليمين المتطرف. قد يهدف التنسيق مع الأحزاب اليسارية والوسطية إلى الحفاظ على تشكيل حكومة مشتركة لكن سيكون لذلك استحقاقات على ماكرون دفعها لجبهة اليسار الموحد .
-- محطة انتخابية هامة والقفز الى المجهول .
في كل الأحوال، ستظل الانتخابات الفرنسية محطة مهمة نترقبها نحن الفلسطينيين ويترقبها العالم، لتحديد مسار أحد أهم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بل وفي العالم. النتائج ستكون لها تداعيات واسعة على السياسة الفرنسية داخلياً وخارجياً، سواء كان ذلك من خلال سياسات تقدمية واستقلالية في حال فوز جبهة اليسار، أو سياسات انعزالية تؤثر على التكامل الأوروبي والعلاقات الدولية وتصعيد التطرف العنصري الأوروبي ضد الهجرة في حال فوز اليمين المتطرف ، وستكون بمثابة قفزة فرنسية الى مستقبل مجهول .