بقلم: صلاح سكيك
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن ما ورد في هذا المقال ليس إلا نتاج متابعة للحياة اليومية منذ بداية النزوح وإلى اليوم، ولا علاقة له بأي درسات نفسية أو اجتماعية صادرة عن مؤسسات أو جمعيات مختصة. بعد السابع من أكتوبر تغيرت سلوكيات وأولويات الناس، بشكل تدريجي، ولا يمكن التغاضي عن ذكر بعض الأمور التي يرفض الإعلاميون الحديث عنها، وتُحكى فقط في كواليسهم، وهذا ما سنتطرق إليه في هذا المقام.
مهام الأسرة لعل أبرز تغيير طرأ على الناس هو تنظيم ساعات اليوم بينك وبين أفراد أسرتك، فهناك من يتحمل مسؤولية توفير المياه من الآبار والموزعين، والآخر صاحب مهمة بيع السلع، والابن الأصغر هو المسؤول عن جمع هواتف الأسرة وشحنها، وربما الأم أو الزوجة أو حتى البنت لهن مسؤولية الطبخ المعتادة وهذا بديهي؛ ولكن المشكلة في إشعال النار وهذا المهمة الشاقة مقارنة بكل المهام. الابن الكسول لا شك أن خسارة الوزن هي أبرز المتغيرات التي طرأت على النازحين فمنهم من خسر 10 أو 20 كيلو وربما أكثر ذلك، لكن في كل خيمة تقريبًا هناك الابن الكسول الذي لا يقوم بأي جهد فإما أنه لا توكل إليه المهام، أو أنه يتقاعس عن أداء الدور المنوط به، وهذا عادة وزنه الذي نزح به زاد عن ما قبل 7 أكتوبر أو بقي على حاله، ويبرر هذا الولد كسله بأنه غير راض عن حياة الخيمة، وكأننا يعجبننا ذلك! التربية انشغال الأب والأم وكل أفراد الأسرة بتدبير الحياة اليومية في مراحل النزوح، أثرت سلبًا على سلوكيات أطفالهم، فلم يعد بالإمكان السيطرة على الطفل، ناهيك عن انتهاء الحياة العلمية في غزة بعد قصف معظم المدارس والجامعات، فأصبح الطفل عبدًا لدى متقلبات الشارع فيستطيع الآن أن يشتم ويلعن ولربما يسب الذات الإلهية دون حسيب أو رقيب، كما يمكن للأطفال الهجوم على الشاحنات وسرقة مقتنياتها، وسط فرحة الأب والأم بذريعة أنه الولد كبر ويمكن أن يُعتمد عليه!
ما بعد انتهاء الحرب وقبل بدء إعمار قطاع غزة، لا بد من الشروع بالعملية التعليمية بأسرع وقت ممكن فلا يمكن الاستمرار بهذا العبث طويلًا، وعلى الطلاب نسيان هذه المرحلة المظلمة في تاريخهم، ويجب على الوالدين متابعة ذلك وألا يسمحا بتسرب أطفالهم من المدارس، ولو كانت عبارة عن خيم.
السرقات وهنا سنسهب في الشرح لأن ما يجري في قطاع غزة غير معتاد ومريب، ولا يتصوره أي عاقل، الآن لا يوجد غني وفقير بل الكل محتاج لأن من كان يحمل معه مبلغ مالي كبير منذ بداية الحرب، تبخرت هذه الأموال مع متطلبات النزوح، بل ربما البعض استدان من الداخل أو الخارج، وهذا شجع البعض لتبرير السرقة على اعتبار أن الضرورات تبيح المحظورات.
في إحدى الليالي تمت سرقة بطارية طاقة 200 أمبير، من خيمة أحد الأقرباء في رفح، إضافة لسرقة هواتف الكثير من الناس الذين يتم شحنهم في الشوارع، لكن الغريب هو سرقتهم من داخل أراضي خاصة لا يتجاوز عدد الخيم فيها عشر خيم. حتى صاحب هذا المقال، تمت سرقة هاتفه الشخصي ومحفظته وهويته وبطاقاته ومبلغ من المال، خلال وقوفه أمام أحد المخابز، وقام اللص الرخيص برمي المحفظة والهوية في الشارع وسرقة المبلغ والهاتف.
في المخيمات ذات الأعداد الكبيرة، يتم إسناد مهمة حماية وتأمين المخيم من السرقات التي يمكن أن تحدث لبعض الأشخاص القادرين على مجاراة اللصوص، وحدثت عمليات إطلاق النار، وربما اشتباكات بين الجانبين. أستذكر أيضًا، يوم العملية المحدودة للجيش الإسرائيلي في النصيرات، ونجم عنها تحرير ثلاثة من أسراه، كيف هرب الناس من مناطق الخطر والقصف باتجاه منطقة الزوايدة، وكيف اللصوص ذهبوا باتجاه القصف لسرقة مقتنيات البيوت المخلاة، ولكن بحمد الله العملية لم تطول وتم كشف هؤلاء الخارجين ولم تفلح مخططاتهم السافلة.
السلاح أصبح الوصول إلى السلاح أسهل من الحصول عن الطعام في قطاع غزة، خلال فترة الحرب، فمن لديه شاحنة له سلاح، ومن لديه تجارة له سلاح، بل ومن له خيمة أصبح عنده سلاح وكأن شريعة الغاب هي من تحكمنا الآن في ظل كل المتغيرات التي طرات، ولا يمكن لي بعد انتهاء هذه الطامة أن أتخيل حجم المشكلات التي ستظهر، وكيف سيتم استخدام السلاح، ولا يمكن تصور جر الشعب الفلسطيني إلى حرب أهلية أو اقتتال داخلي آخر. كل المشكلات التي ستظهر سيكون لها علاقة بالمال، فهذا ينتظر عودته إلى منطقته ليسترد مترًا أو مترين بالقوة، وذاك سيضرب جاره السارق، الذي نهب مقتنيات منزله، وهذا يريد أن يأخذ ثأره من الذي ظلمه سلفًا، وجاء وقت القصاص، وكأننا أمام فيلم "هي فوضى" من إخراج يوسف شاهين!