هل تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي.. منابر للعبث والتفاهة

بقلم أ.محمد ميداني

إن حدوث الانفجار الرقمي في العالم والارتفاع المتزايد على استخدام الشبكة العنكبوتية للإنترنت، والخروج ببث مباشر من خلال بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي، بهدف الوصول الى أعلى نسب من المتابعين والمشاهدات، للسعي وراء الإثارة الحصرية، وبالتالي الربح المادي، بالمواقع الالكترونية تعتبر باب مفتوح على مصراعيه لعرض بضاعة او محتوى مستخدمها دون الاخذ بالاعتبارات السلبية او الإيجابية على المضمون، ضاربة بذلك عرض الحائط بوظائف وضوابط الرسالة الإعلامية السامية وأهدافها. لقد أصبحت تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي، وعلى سبيل المثال لا الحصر برنامج (التك توك، يوتيوب، انستغرام .... وغيرها) جاذبة لأغلب الموجودين على الشبكة العنكبوتية (الانترنت)، بمختلف الأعمال والفئات، وأصبحت الأماكن التي يجدون بها أنفسهم طبعا لا نشمل الجميع، وهدف التهافت عليها هو كسر وتحريك الجمود اليومي للحياة عند البعض والعائد المادي، لذلك تم الترويج لهذه التطبيقات والمواقع بسهولة وسرعة وبساطة مستغلين أسلوب الحياة المعاصرة والسريعة. من يتابع هذه التطبيقات والمواقع يرى وبكل وضوح كمية الأعمال السخيفة والترهات التافهة والفارغة التي تعرض عليه، فيتم من خلالها نشر كميات هائلة من المقاطع المصورة والفيديوهات والتي تستهدف أغلبها الجيل الجديد جيل الرقمنه والتكنولوجيا الحديثة والتي أصبحت جزء لا يتجزأ من حياة روادها اليومية، بل أصبح البعض يبدع باستخدام هذه التطبيقات والمواقع بإنتاج مواد ترفيهية إعلامية صادمة من حيث مضمون التفاهة والعبث بعقول الجيل الناشئ، دون الانشغال بالقضايا الحقيقة وذات الهدف التي تهم حياتهم وحياة المواطنين في مجتمعاتهم. ولعبت هذه التطبيقات والمواقع على ماسي الناس ومعاناتهم والمردود المالي فأصبحت الفضيحة والاثارة ونشر فيديوهات تخترق خصوصيتهم وحياتهم للكسب منها، ولا ينظر فيها الا كوها تحقق ارقام ومشاهدات عالية ومردودية مادية. وأصبحت عمليات الاستغلال لرغبات المتابعين لهذه التطبيقات والمواقع في البحث عن كل ما هو غريب وجديد، فأصبح التسخيف الإعلامي على تلك المنصات ضرورة ملحة يراها القائم على صناعتها لتلقي الاهتمام المناسب والكافي. إضافة الى ذلك هناك معركة أيديولوجية واختراق صارخ للعادات والقيم والأخلاق والتقاليد، والتلاعب بموازين مجتمعاتنا المحافظة. ومن نتائج تلك المتابعة الدائمة أنها تجعل أغلب المتابعين يعيش حياة ازدواجية ما بين الواقعية والافتراضية.. وكثير منهم يقوم بتقليد تلك المشاهدات ومحاكاتها من قبل الكبار قبل الصغار بلا اهتمام بالمعايير الأخلاقية المجتمعية، والقيود القانونية رغبة في الشهرة أو وسيلة للهرب من واقع محبط أليم. كل ذلك هدفه الحصول على متابعين، وتحقيق شهرة زائفة، تخفي خلفها "عقولا فارغة"، ومستوى فكريا غير متوازن ومستقر. ولكنها تستهوي جماهير عريضة خصوصا في سوق العرب، وإن كانت غالبيتها تتابع للتسلية والضحك. إن تهميش وتسطيح العلم والفكر والعمل هذا من آثار الاستغراق، لان المشكلة الكبرى ليست مجرد مخالفة اخلاقيات المهنة او اختراق اعلامي بل انها أكبر من ذلك، فتجد الأطباء والعلماء والمفكرون ... وغيرهم من هذه المجالات لهم متابعيهم الذين يتابعونهم، بهدف الاستفادة من معلوماتهم وافكارهم وآرائهم ويكونون قلائل، بينما من يتابع مروجي التفاهات بالآلاف، وهذا مؤشر خطير وغير إيجابي على الاطلاق. فسهولة استخدام التطبيقات والمواقع المفتوحة وبلا شروط او قيود، أدى الى جعلها وسيلة للفساد والاغراء واستعراض الجسد، والدعوة للفواحش ونشر الفجور، يشجع عليها بالدول الغربية على انها حرية شخصية ضاربة بالعادات والتقاليد والقيم. والأكيد أن فكرة التفاهة المنظمة والمستهدفة لعقول شبابنا وأطفالنا، هي ظاهرة تُعزى إلى أسباب عدة وسأكتفي بسرد بعضا منها:  إن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي من تطبيقات ومواقع أدت إلى زيادة التشتت القيمي والتعليمي والاخلاقي، إضافة إلى التشتت الذهني، مما جعل أغلب الناس تقضي وقتًا طويلًا في المشاهدة والمتابعة واستهلاك محتويات تافهة وسطحية، فأصبح ليس لها القدرة على إخراج وإنتاج ثقافة فاعلة ذات بعدا انساني، وهذا أدى إلى عدما تطوير المهرات المعرفية للفرد.  لم يعد الأدب واللباقة وباقي الفنون وسيلة فاعلة وأسلوبا ناجعا لإيجاد حلول ناجعة لضغوطات العصر وأجوبه لأسئلته، فقد بدأنا نلاحظ انخراط أغلب أفراد المجتمع بمختلف فئاتهم واعمارهم ومكانتهم الاجتماعية، في أنشطة سطحية ترفيهية، فأصبحت التسلية والأمور الترفيهية وعمليات الوصول اليها أكثر سهولة ومتوفرة على تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذا أدى إلى ان يجعل الكثيرين يميلون اتجاه هذه الأنشطة التي بعادتها لا تتطلب الكثير من التفكير أو الجهد، بما يجعل القدرة على التأمل والنقد والخيال والإبداع شبه منعدمة. وهذه جعلتنا ان ندير ظهورنا عن قضايا المجتمع الكبرى.  تأثرت القيم المجتمعية عند الأغلب بشكل سلبي، بجعل أغلب أفراد المجتمع يميلون أكثر نحو التفاهة بدلاً من الانخراط في نقاشات أو أنشطة تعزز التفكير العميق، فانتشار بعض الظواهر الاجتماعية المنحطة كالتفاوت الاجتماعي، والفقر، والفردانية، والمصلحة الخاصة، والانتهازية، والتفكك الأسري وغيرها من الظواهر، جعلت المواطن زبونا سهلا ورخيصا في يد آلة إمبريالية كاسحة، ومن ثمة إنسانا مزيفا بتعبير مارتن هايدغر. هذه بعض العوامل التي أسهمت ولا تزال وبشكل خطير في نظام التفاهة الحالي الذي يؤشر على تهديد خطير، أصبح يتهدد البشرية جمعاء، بتخطيط وتدبير من جهات مجنونة، فقدت صوابها بسبب ما أصابها من طمع وجشع ورغبة في السيطرة والهيمنة، حتى ولو كان ذلك على حساب إبادة الإنسان، عبر الإجهاز على ما تبقى من قيمه الإنسانية الجميلة، تلك التي تميز حياته عن حياة البهيمة. بينما فوائد تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي فهي توفر للمستخدمين القدرة على الوصول إلى المعلومات في الوقت الذي يريدونه والتواصل والعثور على مجتمعات متخصصة. وساعدت تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي العديد من أفراد المجتمع على إيجاد أرضية مشتركة مع الآخرين عبر الإنترنت مما جعل العالم يبدو أكثر ترابطا وفي متناول اليد، أيضا تلعب هذه التطبيقات والمواقع دورا رئيسيا في إستراتيجيات التسويق للشركات نظرا للوقت الهائل الذي يقضيه الأفراد كل يوم على المنصات والتطبيقات الاجتماعية، حيث تستخدم الشركات المنصات للعثور على العملاء والتفاعل معهم، وزيادة المبيعات من خلال الإعلان والترويج ومعرفة اتجاهات المستهلكين، وتقديم خدمة العملاء أو الدعم، ومن خلال هذه المنصات من الممكن تعزيز تعليم الطلاب وبناء روابط تعليمية بطرق مبتكرة وفريدة. لابد هنا ان ننبه تنبيه هام وهو: أولا: لابد أن نوضح بإننا لا نعمم وانما نخصص، ونؤكد على وجود تطبيقات ومواقع انترنت ومنصات تقدم مضمونا نافعا وفكرا رائعا، ويحرص روادها على المصداقية والجدية والسلامة المجتمعية ولكنها قليلة مقارنة بالتطبيقات والمنصات الأخرى. ثانيا: إن مقاومة هذا النوع من وسائل الإعلام إنما يكون أولا بنشر الوعي وبيان الآثار المدمرة لمتابعة هذا الهراء، مما يحرم أصحاب هذه المواقع من نسبة كبيرة من المشاهدات، وبالتالي فقدان مبالغ كبيرة مما تدره عليهم، فلولا أنهم وجدوا من يشجعهم على هذا الفساد لتراجعوا عنه. ثالثا: أننا لسنا ضد الاستمتاع وحب الاستطلاع والاستكشاف، ولكننا ضد تسخيف المحتوى الإعلامي ليناسب بعض العقليات السطحية، وليستدرج الشباب المراهق للمخاطرة بالقيام بتحديات غير اعتيادية وبالأغلب خطرة.. أو ليكون منبرا لنشر أفكار دخيلة ومنحلة تعبث بأيديولوجية وفكر الشباب.

البوابة 24