الساحر الذي صنعته يداه..!!

بقلم: عبد الهادي شلا

لا يختلف إثنان على أهمية الشبكة العنكبوتية أو كما يطلق عليها"NET" في هذا الزمن السريع الإيقاع في كل مفاصله مهما تنوعت وتعددت بعد أن أصبح هو العمود الفقري و العامل المشترك الذي لايمكن الاستغناء عنه للتواصل وإنجاز الأعمال وبما دخل عليه من تطورات تقنية فاقت كل تصور وخيال.
ولعلنا هنا نقول أن الـــ"NET" الذي تتفرع من خلاله وتعتمد عليه كل استخدامات التقنيات الحديثة و خاصة وسائل التواصل الاجتماعي بجانب الإعلامي وغيرها،هو إعجاز عند كثير ممن لم يستوعبوا مقوماته وأهميته ويقفون منه موقفا سلبيا في كثير من الحالات التي تموج بها عوالمه بما لا يتفق مع طبيعة معتقداتهم وتصوراتهم ،بينما العلم يتقدم ويتطور بصورة يصعب اللحاق بها خاصة لو عرفنا أن ما يصلنا هو القليل مما هو مكتشف ومعمول به لدى جهات تملكه باحتكارو تسيطر على كل منافعه إيجابا وسلبا تستخدمه في سرية تامة لتحقيق أغراض بعيدة المدى وسوف نتفاجأ به بعد أن يتم تخطية إلى المرحلة التي تليه وتنتهي ضرورته بالنسبة لها فيصبح في متناول العامة من الناس ويتحول إلى غرض"تجاري بحت" لأن هناك إضافات جرت هي أكبر مساحة وقدرة على تنفيذ وتحقيق أهدافها.
النقلة النوعية التي تمت بعد شيوع استخدام الشبكة العنكبوتية صنعت "عالَـمًا" مختلفا في صفاته وغيرت ملامحه واستشرت حتى طغت على كثير مما كان متاح التعامل معه من مقومات الحياة يستهلك الجهد والوقت فسيطرت الشبكة على سلوكيات البشر في كل المجتمعات التي توطدت علاقتها بها واعتمدتها ايقاع حياة ووسيلة للتواصل وتبادل الخبرات والعلوم واختصرت من خلال التقنيات الحديثة في وجود الشبكة العنكبوتية المسافة في تحقيق نتائج بحوثها في كل المجالات المتاحة لها ،وهذا تقدم من المستحيل لأي مجتمع أن يتخلى عنه بعد أن جنى منه مكاسب ومنافع لم تكن لتتحقق في غيابه.
أضف إلى أن هذه الشبكة وكما هو واضح من تسميتها أنها متشعبة ومتعددة الوسائل وكذلك متعددة المنافع لذلك يحرص الجميع على أن تبقى هذه الشبكة عاملة وقوية على مدى الأربع والعشرين ساعة طوال العام وإلى مالا نهاية.
أدرك سكان الكرة الأرضية الذين لهم صلة بالشبكة أهميتها القصوى وضرورة أن لا تتوقف حين تعرضت لغياب قسري منذ أشهر فتوقفت حركة الطيران والمعاملات البنكية والبورصات العالمية وغيرها مما تسبب في خسارة مادية عالية وتأخير في انتاج بعض الصناعات وأصاب الشلل كل ما له علاقة بها.
ومن المؤكد بعد أن استقرت هذه الشبكة وسيطرت فإنها ملكت أطفالنا وأتاحت لهم بسهولة أن يتعاملوا مع برامجها التي "فُصِّلت" لهم خصيصا وترسم خط حياة جديدة في عالم قادم جديد بكل مواصفاته فانسلخ هؤلاء الأطفال عن بيئتهم ومعتقداتهم التي ورثوها واستقرت في وجدانها وأصبحت برامج هذه الشبكة سيفا مُسلطا على أي متمرد عليها أو حاول المساس بتركيبتها التقنية العالية أو حتى التجسس على أسراها فنجد باستمرار وإلحاح أنه يتم "دَسْ"بعض الصور الجميلة التي تحمل مضامين موجهة ومؤثرة في السلوك الأخلاقي بالذات وبشكل مبهر يجعل الطفل يبحث عنها بعد أن ملكت جوارحه ومشاعره البسيطة التي لم تنضج وهي في حد ذاتها هدفا هاما تحمله تقنيات الشبكة وتدور به حول العالم حتى أننا نجد بعض هذه البرامج تفسح المجال لأكثر من طفل وفي أكثر من بلد متباعد أن يكون ضمن مجموعة تتبادل محتوياتها. 
نختم بأن هذا العالم التقني المتطور هو القادم ونحن الآن نعيش فترة ترسيخ قواعده الأولية ولا ندري إلى أي مدى سيأخذنا ولا كيف ستكون نتائجه و تأثيرها على الأجيال التي تنشأ اليوم وسط عالمه المتسارع ،ولا ندري مدى القدرة العقلية ومستوى الذكاء الإنساني الذي سينتج عن ما هو متوفر الآن ولا ما سيضاف إليه من اكتشافات ونحن نرقب ما يتجلى في الأفق البعيد يقترب منا رويدا رويدا لم تتضح سماته وإن كنا على يقين أنه سيكون المُسيطر والمُهيمن وهو الذي سيزيح من طريقه "الإنسان" الذي اخترعه وأنه سيتمرد عليه ويُقصيه خاصة إذا عرفنا وصار في متناول اليد تلك الأجهزة الذكية"ريبوتات" وتم تجهيزها لما هو قادم مع تَحَفُظ البعض بأنها لن تكفي لتسد الحاجة إلى الإنسان ،وهذا صحيح ولكن الأهم أنها ستُخفض الإعتماد عليه رغما عنه ولن يستطيع إلا أن يَجِد ليتغلب على هذا الساحر الذي صَنَعَـته يداه..!!

البوابة 24