منذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى اليوم، تلقى حزب الله في لبنان سلسلة من الضربات القوية، كان آخرها اغتيال أمينه العام حسن نصرالله يوم الجمعة الماضي، حيث استهدفت الطائرات الإسرائيلية مخبأه في الضاحية الجنوبية لبيروت بأكثر من 80 قنبلة ضخمة، ما أسفر عن مقتله وتدمير مبان سكنية في المنطقة.
محاولات اغتيال سابقة لم تكلل بالنجاح
في حربها مع حزب الله عام 2006، حاولت إسرائيل اغتيال نصرالله ثلاث مرات، لكنها فشلت في كل مرة. ففي إحدى المحاولات، غادَر نصرالله المكان المستهدف قبل الضربة، فيما فشلت المحاولتان الأخريان بسبب التحصينات الخرسانية التي كانت تحمي مخبأه.
النجاح الأخير: اختراق أمني عميق
استطاعت إسرائيل في الضربة الأخيرة تتبع نصرالله إلى مخبأه، وذلك بفضل اختراق استخباراتي عميق لم يسبق له مثيل في تاريخ المواجهات مع حزب الله. وبحسب تقارير استخباراتية، فإن هذا النجاح يعكس تحولاً جوهريًا في عمل الاستخبارات الإسرائيلية، مستفيدة من تراكم خبرات طويلة ومعقدة.
تغيير في النهج الاستخباراتي
الصحيفة البريطانية "فايننشال تايمز" أفادت بأن تحولاً كبيراً في النهج الاستخباراتي الإسرائيلي ساعد في تنفيذ هذا الاختراق. ففي أعقاب الفشل في حرب 2006، أعادت الاستخبارات الإسرائيلية توجيه جهودها للتعامل مع حزب الله بشكل مختلف. حيث عملت وحدات مثل وحدة 8200 ومديرية الاستخبارات العسكرية "أمان" على جمع كميات هائلة من البيانات ورسم خريطة معقدة لحزب الله على مدى العقدين الماضيين.
تحول جذري في فهم حزب الله
وفي هذا السياق، أشارت ميري إيسين، ضابطة استخبارات سابقة، إلى أن هذا التحول الجذري كان ضروريًا لفهم طبيعة حزب الله ليس فقط كجماعة إرهابية، ولكن كجيش إرهابي له طموحات سياسية واسعة. ولفتت إيسين إلى أن هذا الفهم سمح لإسرائيل برؤية الصورة الكاملة، مما أتاح لها القدرة على تحديد الأهداف المعقدة مثل نصرالله وملاحقته بشكل أكثر دقة.
دور الحرب السورية في كشف الحزب
ومع دخول حزب الله الحرب السورية عام 2012 لدعم نظام الأسد، تعرضت بنيته الأمنية للاختراق بشكل أكبر. وأكدت راندا سليم، مديرة البرامج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أن الحرب في سوريا أضعفت آليات الرقابة الداخلية للحزب، ما فتح الباب أمام اختراقات إسرائيلية. وأضافت أن الحزب أصبح مكشوفاً بشكل أكبر بسبب اضطراره للتعاون مع أجهزة استخبارات أخرى، مثل السورية والروسية، التي كانت تخضع للمراقبة الأميركية.
انكشاف الحزب في سوريا
وفي السياق ذاته، أكد الباحث يزيد صايغ من مركز كارنيغي للشرق الأوسط أن مشاركة حزب الله
في الحرب السورية جعلت مقاتليه أكثر عرضة للاختراقات. وأوضح صايغ أن عناصر حزب الله الذين كانوا معروفين بانضباطهم وتشددهم في العمل السري، أصبحوا مكشوفين بشكل أكبر في سوريا. وأضاف أن هذا الانكشاف أضعف قدرتهم على التهرب من عمليات المراقبة الإسرائيلية، لا سيما مع زيادة تبادل المعلومات مع أجهزة استخبارات أخرى.
أدوات استخباراتية متطورة
من خلال استخدام تقنيات تجسس متطورة تشمل الأقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار، وقدرات القرصنة الإلكترونية، تمكنت إسرائيل من مراقبة تحركات عناصر حزب الله بفعالية أكبر. على سبيل المثال، كانت إسرائيل تعتمد على برامج تحليل الصور لرصد أي تغييرات طفيفة في المخابئ أو التحصينات، وذلك بفضل وحدة 9900 المتخصصة في هذا النوع من التحليل.
كما ساعدت الأدوات التكنولوجية الأخرى، مثل تحويل الهواتف المحمولة إلى أجهزة استماع، في تعقب تحركات قيادات حزب الله، بمن فيهم نصرالله، حيث كانت الاستخبارات الإسرائيلية قادرة على جمع بيانات من مصادر متعددة، مثل مراقبة الهواتف أو بث كاميرات المراقبة المخترقة.
خلاصة استراتيجية ناجحة
مع تراكم المعلومات الاستخباراتية خلال الحرب السورية، وتكامل الجهود الأمنية، تمكنت إسرائيل من توجيه ضربات موجعة لحزب الله، بدأت باغتيال شخصيات بارزة مثل فؤاد شكر، أحد مساعدي نصرالله، ووصلت ذروتها باغتيال نصرالله نفسه.
هذا التحول في النهج الاستخباراتي الذي وصفته ميري إيسين بأنه "نقلة نوعية"، إلى جانب الظروف التي أضعفت الحزب في سوريا، ساعدا إسرائيل على تحقيق هذا الاختراق الاستراتيجي الكبير في حربها ضد حزب الله.
استغلال نتنياهو للفرصة
قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، استغلال المعلومات التي جمعها على مدار سنوات من الحرب في سوريا حول حزب الله، مُفعلًا قدرات إسرائيل الهجومية المتقدمة لإحداث انتصار على الجماعة.
بدأ نتنياهو بتنفيذ عمليات اغتيال مركزة ضد قادة الحزب، تلتها تفجيرات غير مسبوقة استهدفت آلاف أجهزة الاتصال المفخخة قبل أسبوعين. هذه الهجمات أسفرت عن إصابة الآلاف من أعضاء حزب الله، الذين اعتقدوا أن تلك الأجهزة ستحميهم من المراقبة الإسرائيلية.
اغتيال نصر الله: إنجاز تاريخي
بلغت هذه العمليات ذروتها يوم الجمعة باغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وهو إنجاز عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيقه خلال حرب 2006، عندما كان إيهود أولمرت، رئيس الوزراء آنذاك، قد خطط لهذا الهدف.
وأظهرت التطورات الأخيرة أن إسرائيل قد نجحت في الوصول الى تقنيات جديدة مكنتها، على الأقل بشكل متقطع، من تحديد موقع نصر الله، الذي يُعتقد أنه كان يعيش في الغالب تحت الأرض في شبكة من الأنفاق والمخابئ.