وماذا بعد؟؟؟
الدكتور عبد القادر إبراهيم عطية حماد
كاتب وأكاديمي فلسطيني
غزة- فلسطين
بعد مرور أكثر من 395 يوماً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي خلف وراءه مشهداً مأساوياً هائلاً من الحزن والمآسي والدمار والدماء، حيث بلغ عدد الشهداء والجرحى بحسب مكتب الإعلام الحكومي بغزة أكثر من 154 ألف مواطن فلسطيني جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ورغم كل ذلك، مازالت الخلافات المستعرة بين الفصائل الفلسطينية، خاصة بين حماس وفتح بمثابة حجر عثرة أمام إنهاء الإنقسام المستمر منذ قرابة عقدين من الزمان وصولاً إلى موقف وطني يتفق عليه الجميع لوضع حد للمعاناة المستمرة للشعب الفلسطيني في القطاع، حيث تقف بعض الفصائل على حد معين رافضة التنازل عنه لصالح الشعب المكلوم مما يؤدي إلى إستمرار تفاقم الخلافات الداخلية على حساب مستقبل الشعب الفلسطيني.
ولعل من أهم أسباب إستمرار هذا الانقسام ليس فقط التباين الواضح في توجهات تلك الفصائل سواء أيديولوجياً أو سياسياً بل الرغبة في الحفاظ على المصالح المكتسبة أو تحقيق المزيد منها دون الالتفات للنكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني الأمر الذي جعل الرد الفلسطيني يظهر بشكل هزيل وضعيف ومتشرذم. لا يرق إلى مستوى الحدث.
ولاشك أن غياب الثقة بين الفصائل الفلسطينية خاصة الرئيسية منها رغم المحاولات الكثيرة لرأب الصدع بينها، وكذلك تعزيز الأجندات الذاتية لكل طرف وارتباط بعض الفصائل بأجندات خارجية، كان له الدور البارز في تعميق الفجوة، حيث باتت المصالح المادية والسياسية والفئوية والأيديولوجيات والإرتباطات الخارجية هي المسيطرة على مواقف وقرارات قيادات تلك الفصائل بدلاً من التركيز على ما يعانيه الشعب الفلسطيني والعمل لما فيه مصلحة الشعب، فأصبح كل من هذه الفصائل يسعى جاهداً لتحقيق المزيد من المكاسب السياسية الآنية على حساب دماء الشهداء، مما جعل الوحدة تبدو هدفاً بعيد المنال، رغم أن تكلفة إستمرار هذا الانقسام باهظة جداً على المواطنين العزل، فقد أدى إستمرار العدوان في ظل إستمرار الخلافات بين الفصائل إلى تدمير عدد كبير من المنازل تزيد بحسب مكتب الإعلام الحكومي بغزة على أكثر من 430 ألف وحدة سكنية بشكل كلي أو جزئي أو كونها أصبحت غير ملائمة للسكن، وتحويل من تبقى من سكان القطاع الى مشردين ونازحين... وكذلك تدمير 470 مدرسة وجامعة وحرمان قرابة 800 ألف طالب وطالبة من التعليم، وتدمير أكثر من ألف مسجد من بينها مساجد تاريخية يعود تاريخها لألاف السنين، وكذلك تدمير عشرات المستشفيات التي خرجت من الخدمة، وألحاق أضراراً جسيمة بالبنية التحتية الحيوية. كما أن البيئة الصحية والاجتماعية فيها أصبحت مهددة بشدة، ولم تعد غزة قادرة على تحمل المزيد من الدمار، ومع ذلك، لم يتغير الكثير على المستوى السياسي؛ إذ بقيت الفصائل تتنازع حول كيفية إدارة غزة وتوزيع الوزارات والمؤسسات في تلك البقعة المدمرة، بينما يعاني السكان من تدهور الخدمات الأساسية وانعدام الأمن، وتواصل سلطات الاحتلال تهجير سكان شمال قطاع غزة تحت قوة نيرانها وتنفيذ ما يسمى خطة الجنرالات.
وليس بعيداً عن ذلك الآثار النفسية الخطيرة المترتبة على هذا العدوان حيث بات مستقبل سكان القطاع معلقاً في بيئة تفتقر إلى الحياة والاستقرار وتخلو من أي بصيص أمل، فالحياة اليومية مازالت مشوبة بالعجز والخوف من الموت والقصف والتشرد والحرمان من التعليم والخدمات الصحية. وهذا كله يشكل جيلاً من الفلسطينيين قد يكون عاجزاً عن بناء مستقبل مستقر بسبب حالة الانقسام السياسي والتخبط في الأهداف.
والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل ذلك المشهد المأساوي...وماذا بعد؟؟؟؟؟
إن السبيل الوحيد لإنقاذ قطاع غزة في ظل المجزرة المستمرة بحق المدنيين العزل، وغياب أي توازن وفق مفاهيم القوة الحقيقية البعيدة عن تضليل وأكاذيب بعض الفضائيات يتمثل في تحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية المجردة من اية مصالح، وتوحيد الصف الفلسطيني. وهذا يتطلب من الفصائل المختلفة تجاوز الخلافات الفئوية والتفكير في مستقبل الشعب الفلسطيني، فإحراز التقدم على صعيد المصلحة الوطنية يجب أن يكون أولوية يتفق عليها الجميع.
ومن الأهمية بمكان أن تدرك قيادات تلك الفصائل أن غياب التنسيق والتكامل بينها لا يصب إلا في مصلحة الاحتلال، فالعدوان الإسرائيلي يستغل هذا الانقسام ليواصل جرائمه دون مواجهة جبهة فلسطينية موحدة. وإذا لم تستطع الفصائل أن تضع خلافاتها جانباً وتتوحد من أجل هدف مشترك، فإن القطاع سيظل في حالة نزف مستمر، وستبقى التضحيات تذهب سدىً دون أن تحقق الأهداف المرجوة.
وفي الختام، إن استمرار الانقسام بين الفصائل الفلسطينية في ظل هذا العدوان الهمجي المستمر على القطاع لا يعد فشلاً سياسياً فحسب، بل هو تخلي تلك الفصائل عن المسؤولية الإنسانية والوطنية تجاه شعبها الذي يعاني في كل يوم من آثار هذا الانقسام. فاليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج الشعب الفلسطيني إلى قيادة وطنية منزهة عن الشعارات الرنانة تقدم مصالح الشعب قبل المصالح الشخصية والحزبية.. فإما أن تتوحد الفصائل وتقدم حلولاً عملية للتصدي للعدوان الإسرائيلي، أو أن تظل غزة ميداناً للدمار والمعاناة الإنسانية التي لا تنتهي.