يعد الفضول من أكثر العادات المزعجة لدى العديد من الأشخاص، إذ يعتقد الكثيرون أن الشخص الفضولي الذي يسعى لمعرفة كل شيء عن الآخرين يخسر أصدقاءه ومعارفه وزملائه، حيث ينظر إليه كمن يتدخل فيما لا يعنيه أو يطّلع على شؤون الآخرين، لكن المفاجأة تكمن في أن هذا الاعتقاد ليس دقيقاً، فالحقيقة مغايرة تماماً.
ووفقاً لما ذكره موقع "بي سايكولوجي توداي" الأمريكي، في تقرير له، فإن الفضول وحب المعرفة عن الآخرين له تأثيرات إيجابية على العلاقات الإنسانية، بل إنه يُعد وسيلة لتعزيز هذه العلاقات بدلاً من تدميرها.
كما يشير "الموقع"، إلى أن "الفضول الحقيقي" تجاه الآخرين، مثل أفكارهم وعواطفهم ومعتقداتهم، يمكن أن يكون مفيداً لعلاقاتنا الشخصية ونمونا، بل يمكن أن يسهم في سعادتنا، ويعد هذا النوع من الفضول لا فقط مهذباً ولطيفاً، بل أنه تحويلي، إذ يمكن أن يجعلنا أكثر جذباً للآخرين.
فوائد الفضول
ويوضح التقرير أن هناك أربعة فوائد رئيسية للفضول تتمثل فيما يلي:
ينجذب الناس إلى الفضوليين
أولاً: عندما نشعر بالفضول تجاه الناس فإنهم يحبوننا أكثر، حيث عندما يسألك شخص ما سؤالاً مدروساً عن حياتك أو يأخذ الوقت الكافي لفهم وجهة نظرك، فهذا شعور جيد، ويؤكد العلم أن الناس ينجذبون بشكل طبيعي إلى أولئك الذين يعبرون عن فضول حقيقي تجاههم، حيث أثبتت الدراسات، أن الناس ينجذبون بشكل طبيعي إلى الأشخاص الذين يظهرون فضولاً حقيقياً تجاههم.
كما أظهرت دراسة نُشرت في مجلة علم الشخصية وعلم النفس الاجتماعي أن المشاركين الذين طُرحت عليهم أسئلة أكثر تصوّراً صنفوا شركاء المحادثة على أنهم أكثر استحساناً، وكشفت أبحاث أخرى أن الأشخاص الذين يطرحون المزيد من الأسئلة هم أكثر احتمالاً للحصول على موعد ثانٍ.
وشدد "الباحثون"، على إن طرح الأسئلة يدل على الاهتمام، مما يجعل الناس يشعرون بالتقدير والفهم، وتوضح أسئلة المتابعة، ولاسيما أننا نستمع بنشاط ونهتم بما يقوله الشخص الآخر، وهذا يخلق حلقة تغذية مرتدة إيجابية: كلما سألنا أكثر، زاد إعجابهم بنا، وزاد استعدادهم للمشاركة.
الفضول يولد فضول
ثانياً: الفضول يولد الفضول، فهذه العادة معدية، عندما نظهر فضولاً بشأن تجارب شخص آخر أو معتقداته، فإنهم يصبحون أكثر فضولاً تجاه تجاربنا وآرائنا. وهذه الديناميكية يمكن أن تؤثر بشكل عميق على مدى إقناعنا وتأثيرنا.
وأظهرت دراسة من كلية هارفارد للأعمال أن الناس الذين يشعرون بأنهم مسموعون ومفهومون يصبحون أكثر انفتاحاً على وجهات النظر المختلفة، وفي إحدى التجارب، كان المشاركون أكثر استعداداً للتفاعل والتعلم من شخص أظهر أولاً فضوله بشأن آرائهم، وبالتالي، يخلق الفضول جسرًا للتفاهم والاحترام المتبادل.
ثالثاً: الفضول يخلق التعاطف، حيث إن التعاطف والقدرة على فهم ومشاركة مشاعر شخص آخر هي مهارة يمكن تعزيزها من خلال الفضول. ونحن نشارك أجزاء الدماغ المسؤولة عن التعاطف والذكاء العاطفي عندما نطرح أسئلة مثل: لماذا يشعرون بهذه الطريقة؟ كيف يبدو أن نرى العالم من وجهة نظرهم؟
ويكشف البحث الذي أجراه تود كاشدان وزملاؤه في مختبر الرفاهية بجامعة "جورج ماسون" كيف يدفع الفضول الأفراد إلى استكشاف مشاعر الآخرين ووجهات نظرهم، مما يعزز فهماً أعمق لتجاربهم الداخلية. وعندما يتعامل الناس مع التفاعلات الاجتماعية بعقلية منفتحة وفضولية فإنهم يحسنون قدرتهم على التعاطف وبناء روابط عاطفية أقوى.
يعزز التعاطف
ثالثاً: الفضول يعزز التعاطف، حيث يمكن أن يعزز الفضول من القدرة على فهم ومشاركة مشاعر الآخرين. عندما نطرح أسئلة مثل: "لماذا يشعرون بهذه الطريقة؟" أو "كيف يبدو أن نرى العالم من وجهة نظرهم؟"، فإننا نستخدم أجزاء من الدماغ المرتبطة بالتعاطف والذكاء العاطفي.
والجدير بالإشارة أن الأبحاث التي قام بها تود كاشدان وزملاؤه في مختبر الرفاهية بجامعة "جورج ماسون"، أظهرت كيف يحفز الفضول الأفراد لاستكشاف مشاعر وآراء الآخرين، مما يعزز فهمهم لتجاربهم الداخلية، وعندما يتعامل الأشخاص مع التفاعلات الاجتماعية بعقلية فضولية ومنفتحة، فإنهم يحسنون قدرتهم على التعاطف ويخلقون روابط عاطفية أعمق.
يحسن المرونة
رابعاً: الفضول يحسن مرونتنا، حيث يساهم الفضول في زيادة مرونتنا النفسية وقدرتنا على التكيف مع التحديات. عندما يواجه الأفراد الفضوليون ضغوطات أو صعوبات، فإنهم يميلون إلى التعامل مع مشاعرهم بعقلية منفتحة، مستكشفين ردود أفعالهم العاطفية بدلاً من قمعها أو تجنبها، وهذه العملية تمنحهم فهماً أعمق لمسببات استجاباتهم العاطفية، مما يؤدي إلى تنظيم عاطفي أفضل، وبالتالي، يصبحون أكثر قدرة على التعامل مع المواقف العصيبة بهدوء ومرونة أكبر.
ويختتم تقرير "بي سايكولوجي توداي" بالتأكيد على أن الفضول تجاه الآخرين ليس مجرد تصرف اجتماعي مهذب، بل هو أداة قوية للتواصل والنمو والتفاهم المتبادل. من خلال تخصيص الوقت لفهم العالم الداخلي للآخرين، فإننا لا نمنحهم الشعور بالقيمة فحسب، بل نثري حياتنا أيضاً.