مثلت الأشهر الأولى من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فترة استقرار واطمئنان للحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، فقد جلس في البيت الأبيض رئيس يدرك تمامًا المصالح الإسرائيلية وينسجم مع رؤية الحكومة اليمينية، بل ويدفع بمبادرات تتجاوز حتى تصورات أقصى اليمين الإسرائيلي.
أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، في تحليلٍ سياسي، إلى أن هذا التفاؤل يخفي خلفه حقيقة مقلقة بالنسبة لنتنياهو، الذي أصبح يجد نفسه خاضعًا بشكل متزايد للمطالب الأميركية، الأمر الذي يطرح تساؤلًا جوهريًا: هل ترامب شريك لإسرائيل أم أنه المقرر الفعلي لسياساتها؟
إملاءات أميركية على تل أبيب
كما فرض ترامب على نتنياهو خطوة طالما قاومها الأخير لأشهر، من خلال مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، وهي الموافقة على المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس.
وتصاعدت الضغوط الأميركية لدفع إسرائيل نحو التفاوض بشأن حدودها مع لبنان، رغم معارضة نتنياهو السابقة لهذا الملف، حيث كان قد وصف اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، الذي وقعه سلفه يائير لابيد، بـ"الخيانة"، وتعهد حينها بإلغائه.
وبعد موافقة نتنياهو على هدنة مع حزب الله، بدا وكأنه استسلم فعليًا للرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لكن الحقيقة أن هذا "الاستسلام" ليس وليد اللحظة، بل يمتد إلى حقبة ترامب نفسه، حيث يُتوقع أن يلتزم نتنياهو بتطبيق اتفاقية لابيد بحذافيرها.
ترامب يسعى لدور أبعد من البيت الأبيض؟
وأفادت "يديعوت أحرونوت"، فإن إسرائيل اليوم تخضع بشكل كامل للأجندة الأميركية، بل إن ترامب لا يكتفي بدوره كرئيس للولايات المتحدة، بل يبدو وكأنه يطمح ليكون رئيس وزراء إسرائيل الفعلي، فارضًا توجهاته على سياسات تل أبيب.
وبالنظر إلى الواقع الحالي، لا يملك نتنياهو الكثير من البدائل، وهو ما يفسر صمت إسرائيل عندما كشف مبعوث ترامب لشؤون الرهائن، آدم بوهلر، عن إجراء مفاوضات مباشرة مع حركة حماس.
حرب سياسية داخل إسرائيل
والجدير بالإشارة أن التطورات الأخيرة فجرت بطبيعة الحال سجالات سياسية حادة بين حزب الليكود الحاكم، وحزب "يش عتيد" الذي يقوده لابيد.
فقد سارع "يش عتيد" إلى تذكير الجمهور الإسرائيلي كيف أن "آلة دعاية نتنياهو" كانت قد اتهمت حكومة لابيد بـ"الاستسلام لحزب الله"، ليجد نتنياهو نفسه اليوم مضطرًا للتفاوض على الأراضي وإطلاق سراح السجناء مع لبنان.
معركة تصريحات نارية
في بيان شديد اللهجة، قال حزب يش عتيد: "بعد عامين، وفي ظل قيادة نتنياهو، أقام حزب الله بؤرًا استيطانية داخل الأراضي الإسرائيلية، وشهد الشعب اليهودي أكبر مأساة له منذ المحرقة، كما تم إخلاء المنطقة الشمالية وقصفها، والآن رئيس الوزراء، الذي وعد بالردع، يتفاوض على الأراضي ويطلق سراح السجناء".
من جهتها، علق المتحدث باسم حزب الليكود بالقول: "لطالما ادعى لابيد أن اتفاقية الاستسلام التي وقعها مع حزب الله عززت أمن المستوطنات الشمالية، وقلّلت من احتمالات التصعيد العسكري، لكن الحقيقة أن سياسات نتنياهو أدت إلى هزيمة حزب الله، وألحقت ضررًا جسيمًا بقيادته وقدراته العسكرية، وقلّصت وجوده في سوريا".
وأردف: "على عكس لابيد، لم يتنازل نتنياهو عن شبر واحد من الأراضي السيادية لصالح لبنان، بل على العكس، حافظ على التواجد العسكري الإسرائيلي في خمس نقاط استراتيجية داخل الأراضي اللبنانية لحماية المستوطنات الإسرائيلية".