استأنفت إسرائيل عدوانها بشكل واسع على قطاع غزة، ما أسفر عن سقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح، في تصعيد جديد يعكس فشل اتفاق وقف إطلاق النار، الذي كان قد بدأ تطبيقه في يناير الماضي بالتزامن مع عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، إلا أن خلافات الطرفين حول شروط المرحلة الثانية من الاتفاق سرّعت عودة العمليات العسكرية.
كانت إسرائيل تسعى إلى تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، بحيث تفرج حماس عن عدد أكبر من الرهائن، بينما فضّلت الحركة الفلسطينية الدخول في مفاوضات جديدة بشروط مختلفة.
ومع تعثر المحادثات التي جرت برعاية قطرية ومصرية، عاد الوفد الإسرائيلي إلى تل أبيب، حيث جرت إعادة تقييم الوضع، ليتخذ بعده قرار بشن موجة هجومية جديدة على القطاع.
استئناف الحرب للضغط على حماس
في هذا الإطار، أكد الكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان، أن هذا التصعيد يأتي في إطار خطة متكاملة وضعتها إسرائيل بهدف ممارسة الضغط على حركة حماس والوسطاء الإقليميين للقبول بالشروط الإسرائيلية لاستئناف المفاوضات، مشيرًا إلى أن إسرائيل امتنعت عن تقديم أي تنازلات تحت تأثير الضغوط الداخلية المتصاعدة، خاصة من قبل عائلات المختطفين الذين يتخوفون من أن العمليات العسكرية قد تعرض حياة أبنائهم للخطر.
الأهداف السياسية والعسكرية للحرب على غزة
من جانبه، أشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة في غزة، حسام الدجني، إلى أن التصعيد الإسرائيلي يخدم أهدافًا سياسية وعسكرية متعددة، من أبرزها حماية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أي أزمة سياسية داخلية، علاوة على ضمان تأييد الأحزاب اليمينية المتطرفة في الكنيست خلال التصويت على الميزانية العامة، قائلًا: "الهجوم على غزة يعزز أجندة نتنياهو الداخلية، حيث يسعى إلى الحفاظ على استقرار تحالفه الحكومي من خلال تلبية مطالب اليمين المتطرف".
وأردف "الدجني"، أن التصعيد أيضًا يعكس رغبة إسرائيل في ممارسة المزيد من الضغوط على المفاوض الفلسطيني، لافتًا إلى أن إسرائيل لم تكن بحاجة إلى أي ذريعة جديدة لاستئناف الحرب، إذ كانت تهدد مسبقًا بالتصعيد في حال عدم قبول عرضها بالإفراج عن 11 رهينة أحياء و16 جثمانًا مقابل 400 أسير فلسطيني.
حماس بين المفاوضات والتصعيد العسكري
في المقابل، أكدت حركة حماس التزامها بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في يناير الماضي بضمانات دولية، معتبرة أن تقديم أي تنازل إضافي يعني رضوخها للضغوط الإسرائيلية.
ولفت "الدجني"، إلى أن الحركة أبدت مرونة في بعض الملفات، لكن إسرائيل هي الطرف الذي أفشل المفاوضات، قائلاً: "الجانب الإسرائيلي يحاول فرض شروط جديدة تتجاوز ما تم الاتفاق عليه، في حين ترفض حماس إعطاء أولوية للأسرى الإسرائيليين على حساب آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يعيشون أوضاعًا مأساوية داخل السجون الإسرائيلية".
بينما يري "نيسان"، أن الهجمات الإسرائيلية تهدف إلى استنزاف قدرات حماس وإضعاف بنيتها التحتية، مشيرًا إلى أن إسرائيل حصلت على معلومات استخباراتية تفيد بأن الحركة تعيد بناء قوتها العسكرية وتجند المزيد من العناصر، وهو ما دفع القيادة الإسرائيلية لاتخاذ قرار بشن ضربات جديدة على القطاع.
تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة
كما نوه "الدجني"، إلى أن الغالبية العظمى من الضحايا هم من المدنيين، وبينهم أطفال ونساء، مضيفًا: "ما يحدث في غزة يمثل جريمة حرب واضحة، حيث استهدفت الغارات منازل وملاجئ، ما أدى إلى إبادة عائلات بأكملها".
في المقابل، شدد "نيسان"، على أن الجيش الإسرائيلي يركز في عملياته على استهداف قادة حماس وليس المدنيين، مدّعيًا أن الحركة تستغل سكان القطاع كـ"دروع بشرية". غير أن الدجني يرفض هذا التبرير قائلاً: "هذه الذريعة لم تعد مقبولة، والواقع أن معظم الضحايا هم من المدنيين، وهو ما يحمّل إسرائيل المسؤولية القانونية والأخلاقية الكاملة عن هذه الجرائم".
مستقبل الأوضاع في غزة والموقف الدولي
وفي ظل استمرار الحرب الغاشمة على غزة، تتزايد التساؤلات حول قدرة المجتمع الدولي على وضع حد لهذا التصعيد المتواصل، ويؤكد الدجني أن إسرائيل تضرب بعرض الحائط كافة القرارات الدولية، متسائلًا: "لماذا لا تلتزم إسرائيل بأي من الاتفاقيات المبرمة؟ هي التي تخلت عن اتفاق أوسلو، ومن الطبيعي أن تنقلب على أي اتفاق لاحق".
كما أشار "نيسان"، إلى أن إسرائيل لن توقف عملياتها العسكرية إلا بعد حصولها على ضمانات أمنية كاملة، معتبرًا أن تل أبيب مستمرة في هجماتها طالما ترى في حماس تهديدًا عسكريًا قائماً.